أخبارأوروبا

بوتين يحدّد شروطه لوقف النار… الاعتراف بالحدود الجديدة والحياد ونزع السلاح

حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروطه لإعلان وقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا بما يمهد لإطلاق مفاوضات لبلورة تسوية نهائية للصراع. وبدت الشروط المقترحة من جانب الكرملين أقرب إلى دعوة للاستسلام، وإعلان رضوخ كامل للأمر الواقع الذي تم تكريسه ميدانياً بعد مرور 28 شهراً على الحرب، من خلال الإقرار بترسيم جديد للحدود يقرّ بسيطرة نهائية لموسكو على «المناطق الجديدة» في جنوب البلاد. كما عكست إصرار الكرملين على تحقيق انتصار كامل سياسياً يكرس «الحياد الأوكراني» ويحظر على البلد الجار مستقبلاً تسليح جيشه.

واللافت في توقيت إعلان «خطة السلام» الروسية، أن بوتين تعمّد استباق الاجتماع الدولي المزمع عقده في سويسرا، والذي ينتظر أن يركز النقاش خلاله على «خطة السلام» الأوكرانية التي تطالب موسكو بسحب قواتها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه عشية اندلاع الحرب في 24 فبراير (شباط) 2022.

 

بوتين يحدّد شروطه لإنهاء الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)

 

وينضم زعماء كبرى دول العالم إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة تنطلق السبت لاستكشاف سبل إنهاء الصراع، لكن روسيا ليست مدعوة. ومن المقرر أن تشارك نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقادة ألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، وكندا واليابان في القمة التي ستعقد يومي 15 و16 يونيو (حزيران) في منتجع بورجنشتوك الواقع على قمة جبلية في سويسرا. ولكن على الرغم من أشهر من جهود الحشد الأوكرانية المكثفة، فإن بعض الدول الأخرى لن تكون حاضرة، وأبرزها الصين، المستهلك الرئيسي للنفط الروسي والمورد للسلع التي تساعد موسكو في الحفاظ على قاعدتها الصناعية.

وقال بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الخارجية إنه «من أجل إطلاق مفاوضات، يتعين على أوكرانيا سحب قواتها من كامل أراضي المناطق الجديدة في روسيا – مناطق لوغانسك، ودونيتسك، وخيرسون وزابوروجيا».

وأوضح أنه «بمجرد أن تعلن كييف أنها مستعدة لمثل هذا القرار وتبدأ في انسحاب حقيقي للقوات من هذه المناطق، وتقدم إخطاراً رسمياً بالتخلي عن خطط الانضمام إلى الناتو، فإننا من جانبنا سنتبع ذلك على الفور، وفي اللحظة نفسها حرفياً». وحدد الخطوات الروسية المقابلة إذا التزمت أوكرانيا بشروطه: «الأمر بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، أكرر، سنفعل ذلك على الفور». ووصف بوتين هذا السيناريو لإنهاء الصراع بأنه «بسيط للغاية».

 

بوتين مع لافروف (أ.ف.ب)

 

اللافت، أن الرئيس الروسي لم يكتفِ بشرط القبول بالأمر الواقع الميداني حالياً، بل شدد على أن الحديث يدور عن «انسحاب أوكراني كامل من كل الأراضي التابعة للمناطق الروسية الجديدة وفقاً للتقسيم الإداري في أوكرانيا حين انضمت هذه المناطق إلى الدولة الأوكرانية». ويعني ذلك، أن تنسحب القوات الأوكرانية من مناطق تعادل مساحتها تقريباً أقل بقليل من ضعف المناطق التي تسيطر عليها روسيا حالياً في مناطق شرق البلاد وجنوبها.

وقال الرئيس الروسي: «يجب إقرار الحقائق الإقليمية الجديدة، والاعتراف بشبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، ودونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون وزابوروجيا كأجزاء لا تتجزأ من روسيا، وتثبيت ذلك في المعاهدات الدولية».

وقال إن زحف القوات الروسية نحو العاصمة الأوكرانية كييف عام 2022 كان يهدف لإجبارها على القبول باتفاق سلام، وإنه لم تكن هناك نية لاجتياح المدينة. وتقول أوكرانيا والغرب إن روسيا أرادت الاستيلاء على كييف وتعيين زعماء موالين لها، لكنها هُزمت أمام مقاومة شرسة.

 

بوتين مع شي. الصين لن تحضر مؤتمر السلام في سويسرا (رويترز)

 

ومع الإقرار المطلوب بهزيمة عسكرية كاملة على الأرض، اشترط الرئيس الروسي أيضاً، إقراراً سياسياً بالهزيمة، وتنفيذ شروط الكرملين المعلنة منذ اندلاع المعارك. وعلى رأس تلك الشروط وفقاً لبوتين إعلان الحياد العسكري ومنع حلف الأطلسي من نشر أي قوات أو معدات في البلد الجار.

وقال بوتين: «من أجل التوصل إلى تسوية سلمية؛ من الضروري تثبيت الوضع المحايد وعدم الانحياز أو الانخراط بأي تكتل عسكري، وأن يكون ذلك عبر بلاغ خطي، فضلاً عن التعهد بعدم تطوير أو نشر الأسلحة النووية في أوكرانيا».

وحدد الشرط الثالث المطروح من جانب روسيا لإنجاح أي تسوية محتملة، بـ«نزع السلاح وتقويض النازية» في إشارة إلى إطاحة القيادة الحالية المتهمة من جانب موسكو بأنها نازية». وزاد: «نريد أن تكون شروط نزع سلاح أوكرانيا مكتوبة وواضحة، بما في ذلك من ناحية تحديد عدد وموضع القوات العسكرية». وقال بوتين إن «هذا هو موقف روسيا المبدئي، الذي اتفق عليه الجميع بشكل عام خلال مفاوضات إسطنبول عام 2022».

وبالإضافة إلى الشروط السابقة التي طرحها بوتين، وتشكل الهيكل الأساسي من وجهة نظره لانطلاق قطار التسوية النهائية، حدد الرئيس الروسي ثلاثة عناصر رأى أنها ضرورية لإكمال هذا المسار، هي «ضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية في أوكرانيا بشكل كامل، وتثبيت كل هذه الأحكام المحورية والأساسية للتسوية في شكل اتفاقيات دولية أساسية، والتأكيد على أن حل النزاع يتضمن إلغاء جميع العقوبات المفروضة على روسيا من قِبل الغرب».

 

الرئيس الأميركي مع نظيره الأوكراني خلال قمة مجموعة السبع في إيطاليا (أ.ف.ب)

 

وقال بوتين إن «جوهر اقتراحنا هو أننا لا نسعى إلى هدنة مؤقتة أو وقف لإطلاق النار، كما يريد الغرب من أجل تعويض الخسائر وإعادة تسليح نظام كييف وإعداد هجوم جديد، ما نريده ليس تجميد الصراع، وإنما إنهاؤه بشكل كامل».

ولوّح بأن بلاده سوف تواصل الضغط العسكري والعمل على تكريس ظروف ميدانية جديدة في حال رفضت أوكرانيا والغرب هذا العرض. وقال: «إذا رفض الغرب وكييف اقتراح السلام هذا، فسوف يتحملان المسؤولية السياسية والأخلاقية عن استمرار إراقة الدماء (…)، ومن الواضح أن الحقائق على الأرض ستستمر في التغير ليس لصالح نظام كييف وستكون شروط بدء المفاوضات مختلفة في المستقبل».

وأقرّ بوتين بصعوبة رضوخ كييف لهذه المطالب، وقال للحاضرين في اجتماع قيادة وزارة الخارجية إن «مثل هذه القرارات ستؤدي أيضاً إلى تفاقم موقف السلطات الأوكرانية».

وفي إشارة بدت موجهة إلى مؤتمر سويسرا الذي تغيب عنه موسكو، قال بوتين إن إعلانه يعكس استعداداً للمفاوضات، مشدداً على أنه «من دون مشاركة روسيا ومن دون حوار صادق ومسؤول يستحيل التوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا، وأيضاً بشأن الأمن الأوروبي بشكل عام.»

وزاد أن روسيا مستعدة لإطلاق حوار مع جميع الدول «ليس حواراً شكلياً، وإنما حوار جدي وحقيقي حول القضايا المتعلقة كافة بالأمن الدولي». وشدد في هذا السياق على شروط روسيا لإقامة أمن إقليمي مستدام، مشيراً إلى أن «الدول والهياكل الإقليمية في فضاء أوراسيا يجب أن تحدد بنفسها مجالات محددة للتعاون في مجال الأمن المشترك (…)، ويجب أن تكون لأوروبا علاقات جيدة مع روسيا» تواجه «المحاولات الأميركية المستمرة لتمرير النهج الإمبريالي والهيمنة من أجل استنزاف الولايات المتحدة لقدرات القارة الأوروبية».

ورأى بوتين أنه «آن الأوان لمناقشة المنظومة والضمانات الأمنية. لا بد من الحيلولة دون التدخل الخارجي. نريد إقامة منظومة أمنية جيدة وجديدة (…) والقوات الأجنبية لا مكان لها في أوراسيا».

قال الرئيس الروسي بخصوص ما قررته قمة مجموعة «السبع» في إيطاليا إن ما تخطط له دول غربية لتزويد أوكرانيا بقروض باستخدام عوائد أصول روسية مجمدة في الخارج هي سرقة ولن تمر دون عقاب، مضيفاً: «رغم كل الخداع… السرقة تظل بالتأكيد سرقة. ولن تمر دون عقاب». وقال بوتين: «بدأ الآن يتضح لكل الدول والشركات (و) الصناديق السيادية أن أصولها واحتياطاتها لم تعد في مأمن بأي حال من الأحوال، سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية».

 

قال لافروف: إن كل مرة يرفض فيها الغرب مقترحات السلام الروسية لا يأتي ذلك بشيء جيد (رويترز)

 

وألقى بوتين بهذه الكلمة بعد يوم من توصل قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى إلى اتفاق مبدئي لتقديم قروض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا بدعم من عائدات الأصول الروسية السيادية المجمدة منذ أن أرسلت موسكو عشرات الآلاف من قواتها لأوكرانيا في 2022 فيما تطلق عليه «عملية عسكرية خاصة».

وبدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الاجتماع إن «الشراكة الأوراسية الكبيرة، إذا ركزت على تشكيل سلاسل اقتصادية ومالية وسلاسل نقل مستقلة عن إملاءات الولايات المتحدة والدول التابعة لها، فإنها ستشكل نوعاً من الأساس الاجتماعي والاقتصادي». ورأى أن «الأساس المادي لذلك النظام الأمني الذي ترغب روسيا في بنائه مفتوح لجميع الدول والمنظمات في القارة الأوراسية دون استثناء». وتعليقاً على رفض الغرب فيما سبق المقترحات الروسية للتسوية بأوكرانيا، قال لافروف: «إن كل مرة يرفض فيها الغرب مقترحات السلام الروسية، لا يأتي ذلك بشيء جيد».

إغلاق