أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة أرسلت إلى أوكرانيا أنظمة صواريخ بعيدة المدى تعرف باسم «إيه تي إيه سب إم إس» (أتاكمس)، شرط استخدامها «داخل أراضيها»، وأن تلك الصواريخ قد وصلت سراً بالفعل هذا الشهر. وأعلنت أنها أرسلت الصواريخ إلى أوكرانيا «خلال الشهر الحالي»، قبل إقرار الكونغرس الأميركي حزمة مساعدات جديدة لكييف، الثلاثاء.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن هذه الشحنة أُرسلت «بناء على طلب مباشر من الرئيس» جو بايدن في فبراير (شباط)، مضيفاً أن الصواريخ التي كانت جزءاً من أحدث حزمة مساعدات أُرسلت إلى كييف في 12 مارس (آذار) «وصلت إلى أوكرانيا خلال الشهر الحالي». وقال المتحدث إنه لم يتم الإعلان عن إدراج الصواريخ في حزمة مارس حينها «بهدف الحفاظ على الأمن التشغيلي لأوكرانيا بناء على طلبها».
وردّ الكرملين، الخميس، قائلاً إن تسليم أوكرانيا صواريخ أميركية من نوع «أتاكمس» لن يغيّر شيئاً في النزاع القائم. وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال لقاء مع صحافيين، إن «الولايات المتحدة منخرطة مباشرة في هذا النزاع، وسلكت مسلكاً يهدف إلى إطالة مدى أنظمة الأسلحة». غير أن ذلك «لن يغيّر مآل العملية العسكرية الخاصة»، وهو تعبير تستخدمه موسكو للإحالة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أكثر من سنتين.
ووقّع بايدن، الأربعاء، على خطة أميركية ضخمة لتقديم مساعدة عسكرية واقتصادية لأوكرانيا، معلناً أنّ الدفعة الأولى من المعدات العسكرية ستغادر إلى كييف «في الساعات المقبلة»، وستبلغ قيمتها مليار دولار.
كييف طلبت إخفاء تسلّمها
وجاء تأكيد باتيل بعد تقارير إعلامية، تحدثت عن استخدام أوكرانيا الأسبوع الماضي لهذه الصواريخ، في قصف مطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم، وتجمعات للقوات الروسية في منطقة محتلة أخرى قبل يومين.
ويتمتع نظام «أتاكمس» الجديد بمدى إطلاق أكبر، يصل إلى 300 كيلومتر، يتجاوز نسخة سابقة يصل مداها إلى 165 كيلومتراً تسلمتها أوكرانيا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكانت جزءاً من حزمة مساعدات أرسلت لأوكرانيا في مارس، وليست من ضمن الحزمة التي وافق عليها الكونغرس، ووقّعها بايدن يوم الأربعاء.
وقال باتيل: «لم نعلن ذلك في البداية من أجل الحفاظ على أمن العمليات في أوكرانيا بناء على طلبهم». وأضاف باتيل أن الرئيس بايدن وجّه فريق الأمن القومي التابع له بإرسال أنظمة «أتاكمس»، مع تحديد استخدامها داخل الأراضي ذات السيادة الأوكرانية.
من جهته، قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، بعد ساعات من توقيع بايدن على حزمة المساعدات لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار، إن «عدداً كبيراً» من الصواريخ أرسل إلى أوكرانيا، مضيفاً: «سنرسل المزيد». وقال إن أوكرانيا ملتزمة باستخدام هذه الصواريخ داخل أراضيها فقط، وليس في روسيا.
ويقرّ مسؤولون في الولايات المتحدة بأن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا ليست «عصا سحرية» تحلّ كلّ المشكلات على الجبهة، وبأن تحقيق تقدم ليس سهلاً، خصوصاً بسبب النقص في عدد الجيش الأوكراني. وقال البيت الأبيض، الأربعاء، إن روسيا قد تحقق مزيداً من المكاسب ضد القوات الأوكرانية في المستقبل القريب. وصرّح مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان: «من المحتمل بالتأكيد أن تتمكن روسيا من تحقيق مكاسب تكتيكية إضافية في الأسابيع المقبلة»، وهو ما يشير إلى حراجة موقفها الميداني، حيث تواصل روسيا تقدمها في ساحة المعركة في منطقة دونيتسك الشرقية.
إيران وبيونغ يانغ غيّرتا الموقف
رفضت إدارة بايدن إرسال تلك الصواريخ سابقاً بسبب مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة تصعيد الصراع مع روسيا. غير أن كثيراً من الخبراء أكدوا أن هذا الأمر لم يعد يشكل عائقاً رئيسياً أمام الجيش الأوكراني، مع إنتاج كييف طائراتها من دون طيار طويلة المدى، وصواريخها بكميات متزايدة. ووفقاً لتقارير إخبارية، نقلاً عن مسؤولين لم تحدد هويتهم، فإن استخدام روسيا للصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي زوّدتها بها كوريا الشمالية ضد أوكرانيا في ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، أدى إلى تغيير موقف إدارة بايدن. وأضاف هؤلاء أن استمرار روسيا في استهداف البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا كان أحد العوامل أيضاً.
حزمة بقيمة مليار دولار
مهّد مشروع قانون المساعدات العسكرية، الذي وقّعه بايدن، الطريق أمام البنتاغون للإعلان عن حزمة مساعدات تشمل المدفعية وذخائر الدفاع الجوي التي تشتد الحاجة إليها. وبعد وقت قصير من كلمة بايدن التي أعلن فيها عن إرسال الأسلحة «خلال ساعات»، نشرت وزارة الدفاع تفاصيل حزمة مساعدات أمنية بقيمة مليار دولار لأوكرانيا، تشمل من بين أمور أخرى صواريخ «ريم 7» و«إيه آي إم 9 إم»، وصواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، وصواريخ تُطلق بأنبوب، أو تُتبع بصرياً، أو الموجهة سلكياً، وصواريخ «تاو» المضادة للدروع، وذخيرة لنظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة، وقذائف مدفعية عيار 155 مليمتراً و105 مليمترات، ومجموعة متنوعة من المركبات القتالية.
وفي وقت لاحق من يوم الأربعاء، قال الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في مؤتمر عقد في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن البنتاغون كان يستعد لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا مع تقدم مشروع القانون في الكونغرس. وقال: «لقد تقدمنا بالفعل إلى الأمام في كثير من المجالات. لذلك نحن نعلن ذلك، وسنرسل تلك القدرات إلى أوكرانيا في أسرع وقت ممكن». وأضاف براون: «ما نقوم به في وزارة الدفاع هو خطة، ونحن نخطط كثيراً، نحن في وضع جيد مع هذه السلطات لتزويد أوكرانيا بالذخائر بسرعة». وشدّد براون على أهمية ضمان حصول أوكرانيا على المساعدة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي. وقال: «فكروا فيما تمكنت أوكرانيا من فعله عندما تم تزويدها بالموارد… في وقت مبكر من الصراع، تمكنوا من استعادة 50 في المائة من الأراضي التي فقدوها بعد الغزو الروسي الأولي ضد قوة أكثر قدرة». وأضاف أن نجاح أوكرانيا أمر بالغ الأهمية للاستقرار العالمي. وقال: «ما يحدث في جزء واحد من العالم لا يبقى في جزء واحد من العالم. لقد رأينا ذلك عبر التاريخ، وأعتقد أن ما نقوم به بشكل جماعي لدعم أوكرانيا مهم».
تجديد مخزونات البنتاغون
تجاوز طلب أوكرانيا واستخدامها بعض الأسلحة، مثل قذائف المدفعية عيار 155 مليمتراً في مدافع الهاوتزر، الإنتاج الأميركي، ما أدى إلى انخفاض مخزونات الجيش الأميركي. وقال الجنرال جيمس مينغوس، نائب رئيس أركان الجيش، في مؤتمر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه بعد إقرار حزمة المساعدات ستكون الولايات المتحدة قادرة على زيادة إنتاج القذائف، من 30 ألفاً شهرياً الآن، إلى 100 ألف بحلول الصيف المقبل. وأضاف أن أوكرانيا استخدمت أكثر من مليوني قذيفة خلال الحرب التي استمرت 26 شهراً، أي بمعدل أكثر من 75 ألف قذيفة شهرياً. وقال مينغوس: «لقد ارتفعنا إلى مستوى يتناسب مع الحاجة».
وأشارت تقديرات وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، إلى أن روسيا تنتج أسلحة وذخيرة بمعدل يفوق حاجتها للحرب الدائرة في أوكرانيا. وفي تصريحات للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني (إيه آر دي)، قال بيستوريوس، الأربعاء، إنه في ظل زيادة الإنفاق على الأسلحة وتحويل الاقتصاد الروسي لوضع الحرب، لوحظ أن «جزءاً كبيراً أو جزءاً مما يتم إنتاجه حديثاً، لم يعد يذهب إلى الجبهة، بل يتم إرساله إلى المستودعات».
وفي الوقت نفسه، حذّر الوزير، الذي ينتمي لحزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي الديمقراطي، من استمرار التطلعات العسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأضاف بيستوريوس: «يمكن للمرء أن يكون ساذجاً، وأن يقول إن بوتين لا يفعل هذا إلا من باب التحوط. لكني كشخص متشكك، أود أن أقول في هذه الحالة إنه يخطط لشيء ما، أو أن لديه شيئاً ما».
ورداً على سؤال حول ما إذا كان يشارك تقييمات دول البلطيق، التي تشير إلى أن روسيا قد تكون جاهزة لشنّ هجوم على مناطق حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال سنوات قليلة، قال بيستوريوس، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، إن هذه المسألة تعدّ في نهاية المطاف من قبيل التخمين. وأردف بالقول: «ما يقوله الخبراء العسكريون وخبراء التسليح هو أن روسيا تقوم حالياً بتعزيز ترسانتها»، مشيراً إلى أنه في حال حدوث تصعيد، سيؤثر ذلك على الناتو بشكل عام، وليس ألمانيا وحدها.
وأكد بيستوريوس: «يتعين علينا أن نكون قادرين على الدفاع، ومؤهلين للحرب، حتى نتمكن من خوض الحرب التي ستُفْرَض علينا في تلك الحالة. ولهذا السبب، نعمل بجدّ ونبذل قصارى جهدنا لتجهيز القوات المسلحة بشكل مناسب في أوروبا وداخل الناتو».