وجَّه الكرملين يوم الجمعة، رسائل تحذيرية إلى القادة الأوروبيين، ورأى أن التصريحات الصادرة عن باريس ولندن حول احتمال توجيه ضربات عسكرية إلى روسيا «خطيرة للغاية» وتهدد أمن القارة الأوروبية.
وأعرب الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، عن قلق موسكو بسبب ما وصفه بـ«تصعيد لهجة البلدين»، ورأى أنه مؤشر جديد على انخراط فرنسا وبريطانيا بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية.
وقال بيسكوف لصحافيين إن تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، بشأن احتمال توجيه ضربات إلى روسيا الاتحادية «خطيرة للغاية»، منبهاً إلى تداعيات سيئة محتملة لهذه التصريحات.
وجاء رد فعل الكرملين بعد إعلان كاميرون، خلال زيارة لكييف، أن أوكرانيا من المفترض أن يكون لها الحق في ضرب الأراضي الروسية بالأسلحة البريطانية.
ورأى الناطق الرئاسي أن تلك الكلمات تُعبِّر عن «بيان آخر خطير للغاية (…) نرى مثل هذا التصعيد في اللهجة من جانب الممثلين الرسميين، ونراه أيضاً على مستوى رؤساء الدول -عندما يتعلق الأمر بفرنسا». ملاحظاً أن إطلاق تلك التهديدات ضد روسيا يتخذ بعداً أكثر خطورة عندما يصدر من مستوى أكثر خبرة، عندما يتعلق الأمر ببريطانيا العظمى».
وصرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، بأنه سيكون من الجيد أن ترسل فرنسا جنوداً إلى أوكرانيا. وقال ميدفيديف، عبر قناته على تطبيق «تلغرام»: «سيكون من الجيد للفرنسيين أن يرسلوا فوجين إلى أوكرانيا، حينها لن تكون مسألة تدميرهم المنهجي هي الأصعب، بل مهمة غاية في الأهمية»، حسبما ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.
وناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، سرعة تسليم الأسلحة المشمولة في حزمة مساعدات حديثة في أقرب وقت ممكن. وقال الرئيس في منشور على تطبيق «تلغرام»، إنه أطلع كاميرون خلال اجتماع في كييف على الوضع على الجبهة، حسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء. كما ناقش الاجتماع الاستعدادات الجارية لفعاليات دولية «مهمة» قادمة، تشمل قمة سلام سوف تُعقد في سويسرا.
وحذر بيسكوف من أن «تصعيد التوتر بشأن الصراع الأوكراني، قد يشكل خطراً على الأمن الأوروبي برمّته. عموماً على الهياكل في القارة الأوروبية برمّتها. نرى هنا مثل هذا الاتجاه الخطير لتصعيد التوتر، وهذا يثير قلقنا». ولفت الناطق إلى أن فرنسا «تواصل بدورها الحديث باستمرار، وعلى مستوى رئيس الدولة، عن إمكانية تورطها المباشر على الأرض في الصراع الدائر حول أوكرانيا».
وحدد الرئيس الفرنسي في مقابلة مع مجلة «إيكونوميست» البريطانية نُشرت الخميس، شرطين لإرسال قوات إلى أوكرانيا: أولهما، حال ورود طلب أوكراني بهذا الصدد، وثانياً في حال اخترق الروس خطوط الجبهة، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يوجد طلب بهذا الصدد من أوكرانيا حتى الآن. ووفقاً له، فإن «العديد من دول الاتحاد الأوروبي» وافقت على نهج فرنسا بشأن الإرسال المحتمل للقوات.
وشدد الناطق الرئاسي الروسي مجدداً على أن بلاده «سوف تواصل العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حتى تحقيق كل أهدافها». وأكد التفاف المواطنين الروس حول سياسات الرئيس فلاديمير بوتين. وزاد أن الرئيس الروسي «يتمتع بمستوى عالٍ جداً من الدعم بين المواطنين (…) ودراسات الرأي العام تظهر ذلك بوضوح».
كما حذّرت المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الجمعة، واشنطن ولندن وبروكسل من أن أي أعمال عدوانية ضد القرم. وأضافت زاخاروفا في مؤتمر صحافي: «أود مرة أخرى أن أحذّر واشنطن ولندن وبروكسل من أن أي أعمال عدوانية ضد القرم لن يكون مصيرها الفشل فحسب، بل ستتلقى أيضاً ضربة انتقامية ساحقة».
وفي تأكيد على قناعة الكرملين بأن الجبهة الداخلية الروسية متماسكة وصلبة، أشار بيسكوف إلى أنه «بشكل عام، فإن الاتجاه مستقر تماماً. ويرى علماء الاجتماع تقلبات طفيفة في هذه الأرقام، لكنها مستقرة بشكل عام. وفي الواقع، يتمتع بوتين بمستوى عالٍ جداً من الدعم الشعبي ومستوى عالٍ من التفاف الروس حوله». وزاد أن المؤشرات التي تحملها نتائج استطلاعات الرأي تدل بوضوح على ثقة الروس بسياسات بوتين و«وفي الواقع، كما يقول علماء الاجتماع، تدل النتائج إلى رسوخ قناعة لدى المواطنين بأن الرئيس يعرف ما يفعله، وهو يفعل ذلك بنجاح (…) الروس يشعرون بذلك، وهذا أمر بالغ الأهمية».
في السياق ذاته، أعرب بيسكوف عن ثقة القيادة الروسية بأن مسار تعزيز الجبهة الداخلية يتطور عبر عودة كثير من رجال الأعمال الذين فروا إلى خارج البلاد بعد اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022.
وقال بيسكوف إن «تسارع عملية عودة الروس الذين غادروا أمر طبيعي تماماً، لأنه بات واضحاً لكثيرين أن روسيا توفر فرصاً كبيرة لتطوير الأعمال، وتعد من البلدان الأكثر موثوقية لإطلاق النشاطات التجارية».
وزاد: «لقد قلنا من قبل إن هذه عملية متعددة الاتجاهات. فالروس الذين غادروا في السابق، يعودون تدريجياً بعد مرور بعض الوقت. لأنه على أي حال، فإن التعامل معنا أكثر إثارة للاهتمام. لدينا مزيد من الفرص دائماً لتطوير الأداء الاقتصادي والمالي داخل بلدنا».
ورأى أن تلك الظاهرة «طبيعية تماماً؛ شخص ما يغادر، شخص ما يأتي. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد».
وأشار أيضاً إلى أن ديناميكيات التنمية الاقتصادية الروسية باتت توفر فرصاً كبيرة للأعمال.
وأضاف بيسكوف: «إذا نظرت إلى الإحصائيات، وعدد الشركات الصغيرة والمتوسطة التي أُنشئت خلال العام الماضي، ومعدلات تحصيل الضرائب، وما إلى ذلك، فإن هذا يشير إلى أن الحياة التجارية تتطور بشكل ديناميكي للغاية».
في موضوع آخر، رد بيسكوف على سؤال حول انتشار قوات روسية في بعض مناطق القارة الأفريقية خصوصاً في النيجر، وقال إن بلاده تعمل على تطوير تعاونها العسكري مع كل بلدان القارة.
كانت تقارير قد تحدثت عن انتشار وحدات عسكرية روسية في النيجر. وفي وقت سابق، نقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية عن مصدر في البنتاغون أن القوات الروسية «موجودة على أراضي القاعدة العسكرية في النيجر حيث توجد وحدات من الجيش الأميركي تستعد للانسحاب من هذا البلد».
وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لـ«رويترز»، إن أفراداً من الجيش الروسي دخلوا قاعدة جوية في النيجر تستضيف قوات أميركية، في خطوة تأتي في أعقاب قرار المجلس العسكري في النيجر طرد القوات الأميركية من البلاد.
قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الجمعة، إنه لا توجد مشكلة كبيرة لدى القوات الأميركية في النيجر، بعد أن ذكرت «رويترز» أن عسكريين روسيين دخلوا قاعدة جوية في العاصمة نيامي تستضيف قوات أميركية. وقال أوستن في مؤتمر صحافي في هونولولو: «الروس موجودون في مجمع منفصل، ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو معداتنا». وأضاف: «دائماً ما أركز على سلامة قواتنا وحمايتهم». وتابع: «لكن في الوقت الحالي، لا أرى مشكلة كبيرة هنا فيما يتعلق بحماية قواتنا». وطلب ضباط الجيش الذين يحكمون الدولة الواقعة في غرب أفريقيا من الولايات المتحدة سحب قرابة ألف عسكري من البلاد التي كانت حتى انقلاب وقع العام الماضي شريكاً رئيسياً في حرب واشنطن على متمردين قتلوا آلاف الأشخاص وشردوا الملايين. وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، طالباً عدم نشر اسمه، إن القوات الروسية لا تختلط مع القوات الأميركية، وإنما تستخدم مكاناً منفصلاً في القاعدة الجوية «101» المجاورة لمطار «ديوري حماني» الدولي في نيامي عاصمة النيجر.
وتضع هذه الخطوة التي اتخذها الجيش الروسي الجنود الأميركيين والروس على مسافة قريبة للغاية بعضهم من بعض في وقت يزداد فيه التنافس العسكري والدبلوماسي بين البلدين بسبب الصراع في أوكرانيا. وتثير الخطوة أيضا تساؤلات حول مصير المنشآت الأميركية في البلاد بعد الانسحاب.
ولم ينفِ الناطق الروسي صحة تلك التقارير، لكنه لم يفصح عن تفاصيل إضافية. واكتفى بالتعليق بشكل عام عبر تأكيد حرص موسكو على مواصلة كل أشكال التعاون بما في ذلك في المجال العسكري الدفاعي مع «الشركاء في البلدان الأفريقية». وقال بيسكوف: «إنهم (البلدان الأفريقية) مهتمون بهذا، ونحن مهتمون أيضاً. سنواصل تطوير هذا التعاون».