في أوج الحرب الأوكرانية، تخشى مدينة لفيف الواقعة في أقصى غرب البلاد أن تفقد الهدوء النسبي الذي ميزها منذ بداية الحرب عن المدن الأخرى. فتزداد المخاوف من هجوم روسي ساحق، وسط توقع وصول موجة نزوج جديدة من شرق البلاد إلى هذه المدينة. من جهتها، تتهيأ السلطات ومنظمات الإغاثة مجددا لاستقبال هؤلاء النازحين، بعدما انخفض عددهم بشكل لافت في الفترة الأخيرة وتراجعت حركة العبور إلى بولندا المجاورة.
انتظرت الشابة تاتيانا التي تعمل كمتطوعة في جمعية بولندية طويلا عند معبر ميديكا الحدودي وصول اللاجئين الأوكرانيين لتقدم لهم فنجان قهوة وفواكه عند وصولهم.
خلافا عن الأيام الأولى من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا والتي شهدت فيها بولندا تدفق عدد كبير من الهاربين من القصف الروسي، تحول معبر ميديكا بعد مرور أكثر من شهر إلى منطقة شبه خالية من الناس والسيارات الوافدة التي تسببت آنذاك في ازدحام مروري خانق يمتد على مسافة تتعدى 30 كيلومترا.
وانخفاض الزحمة يعود إلى التراجع الكبير لعدد اللاجئين الأوكرانيين باتجاه بولندا. فعدا حوالي مئة لاجئ التقينا بهم صباح الأربعاء عندما قمنا باجتياز المعبر الحدودي الفاصل بين بولندا وأوكرانيا، لم نشاهد أية حركة وفود كبيرة أخرى. وهذا ما جعل بعض المنظمات الإنسانية تفكر في مغادرة ميديكا والذهاب إلى مناطق أخرى لتقديم الدعم للأوكرانيين الذين هم في حاجة أمس له.
وشرحت تاتيانا أسباب تراجع عدد اللاجئين الذين يدخلون الأراضي البولندية قائلة: “الوضع الإنساني تحسن كثيرا مقارنة بالأيام الأولى من الحرب. أكثر من مليوني لاجئ فروا عبر الحدود البولندية في غضون شهر واحد. أما اليوم، أصبحنا نشهد عملية معاكسة. حتى أن هناك بعض الأوكرانيين، خاصة النساء المسنات، يعودن إلى بلادهم”.
وأضافت: “السلطات التي تشرف على الحدود طورت الخطة التي وضعتها لتسهيل عبور اللاجئين. فيما تعددت أيضا الممرات”.
نفس المشهد لاحظناه على مستوى الطريق المؤدي من المعبر الحدودي باتجاه مدينة لفيف الأوكرانية التي تبعد حوالي 75 كيلومترا عن بولندا.
فكانت حركة المرور عادية والطريق خال من ازدحام السيارات الذي ميز الأيام الأولى من الحرب حيث كان يتوجب قضاء أربع ساعات على الطريق قبل الوصول إلى المعبر الحدودي باتجاه بولندا.
فعدا نقطة تفتيش واحدة وقرار حظر التجول المفروض من الساعة العاشرة ليلا إلى السادسة صباحا، والكنائس لا سيما زجاجها وأماكن العبادة التي تم حمايتها بفضل ألواح خشبية من أي قصف روسي مفاجئ، لا يشعر “الزائر” في مدينة لفيف بأن أوكرانيا تعيش حربا طاحنة. المقاهي والمطاعم مفتوحة والأسواق التجارية مكتظة بالزبائن، فقط بعض الشوارع تشهد ازدحاما مروريا كبيرا.
لكن رغم هذا الهدوء النسبي، تشعر أناستازيا، وهي أم لولدين وتعمل في مجال التسويق والإعلام في شركة مختصة في بيع مواد البناء، بالقلق إزاء ما يجري في البلاد.
فقالت “أشعر بالخوف عند قدوم الليل رغم أن الوضع يبدو هادئا في الوهلة الأولى. لكن لا أتأخر كثيرا عند خروجي من الشركة التي أعمل فيها لأنني أخشى هجوما روسيا مباغتا لا سيما عبر الجو كما وقع ذلك في بلدة صغيرة تبعد من هنا حوالي 70 كيلومترا. لقد تعودنا على الهجمات الجبانة التي ينفذها العدو”.
كما تخشى أيضا أناستازيا أن يتدهور الوضع الاجتماعي في حال وفود متوقع لنازحين أوكرانيين جدد إلى لفيف من المناطق الشرقية للبلاد تلبية لطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي دعا سكان شرق أوكرانيا، وبالأخص أولئك الذين يقطنون في حوض دومباس إلى مغادرة منازلهم بسرعة بسبب احتمال وقوع هجوم روسي عنيف مع تركيز الاستراتيجية الروسية اليوم على هذه المنطقة.
وأردفت: “ما جرى في بوتشا وإربين وفي مواقع أوكرانية أخرى، ما هي سوى محاولات روسية لإبادة الشعب الأوكراني. من الممكن جدا أن يهاجموا مدينة لفيف لأنهم لا يريدون أن نتمتع بالحرية في بلادنا”.
ولتخفيف معاناة الأوكرانيين الذين نزحوا إلى لفيف، انخرطت هذه السيدة (38 عاما) في جمعية خيرية محلية وأصبحت تقدم المواد الغذائية والأدوية والثياب للعائلات المتواجدة داخل مراكز لإيواء النازحين.
كما قامت باستقبال عدة عائلات أوكرانية فرت من كييف وأوديسا بحثا عن الأمن، في منزلها. وأنهت قائلة: “رغم المعاناة سننتصر لأننا نملك العزيمة ولسنا نحن المعتدون بل فلاديمير بوتين هو الذي اعتدى علينا”.
لكن الاستقرار النسبي الذي يميز مدينة لفيف مرشح للزعزعة في حال وصول عشرات الآلاف من النازحين الجدد من شرق البلاد. فهو أمر سيضع نشاط منظمات الإغاثة والسلطات المحلية على المحك.
في المحطة المركزية للقطارات بنفس المدينة، شاهدنا بدء وصول عدد كبير من النازحين الآتين من المناطق الشرقية. أولينا كانت من بين النساء اللواتي غادرن منطقة دونيتسك باتجاه لفيف.
شرحت أولينا: الناس في لفيف قدموا لنا يد المساعدة وأود أن أشكرهم على ذلك. لكن أن تغادر المنزل الذي ولدت فيه وقضيت فيه طيلة عمرك أمر صعب للغاية. تترك كل شيء وراءك. هذا شيء صعب لا يستطيع أن يتحمله أحد”.
وتابعت: “السكان يشعرون بألم كبير بسبب رحيلهم عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك. لقد أرغموا على ذلك بسبب ما يحصل ونشاهده على شاشات التلفزيون التي تنقل صورا فظيعة من بوتشا وإربين وهوستوميل. لا نريد أن نعيش نفس الشيء”.
من جهته، أضاف نازح آخر مسن رفض الكشف عن هويته فر من القتال والقصف في منطقة لوغانسك: “بدأ القصف الروسي في وقت مبكر وبشكل مكثف. القوات الجوية الروسية أطلقت سلسلة من الصواريخ على المنطقة التي كنت أسكن فيها. أحدهما أصاب الجهة اليسرى من منزلي والثاني الجهة اليمنى. لكن لحسن الحظ لم أكن بالداخل. كان سكان المنطقة يركضون نحو الملاجئ”.
وأنهى كلامه قائلا:” لم أفكر في مغارة منطقة لوغانسك منذ بداية الحرب، لكن الصواريخ التي حطمت منزلي كانت السبب الذي دفعني إلى الرحيل نحو المجهول”.
المصدر : فرانس 24