تقفُ دولُ الاتحاد الأوروبي صفاً واحداً إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد روسيا، لكنّ هذا الإجماع يتبدد حين يكون الأمرُ متعلقاً بطلب كييف من الأوكرانيين “التزاماً قانونياً” من أجل منحها سريعاً صفة الدولة المرشحة رسمياً للانضمام إلى التكتّل، إذ يبدو الإنقسام الأوروبي تجاه هذه المسألة الشائكة المعقّدة هو سيّد الموقف.
ومن المتوقع أن تصدر المفوضية الأوروبية موقفها بهذا الشأن في مؤشر أولي ذي دلالة كبيرة قبل القمة الأوروبية ببروكسل حيث سيتعيّن على القادة الأوروبيين الـ27 أن يقرروا خلال قمتهم التي تُعقد يومي 23 و24 حزيران/يونيو، ما إذا كانوا سيمنحون أوكرانيا وضع المرشح للعضوية، وهي الخطوة الأولى في عملية مفاوضات قد تستمر لسنوات طويلة.
ماذا في حال تمّ رفض المطلب الأوكراني؟!
وفي حال تمّ رفض المطلب الأوكراني، أو حتى التلميح بذلك، فسيتلقى حينها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضربة مدمّرة، ما سيُضعفُ معنويات الكثير من مواطنيه الذين يزيد عددهم على الـ40 مليون نسمة، والأمر كذلك سينسحب على الجيش الذي لا يزال تكبّد خسائر فادحة أمام الغزاة الروس الذي باتوا يحتلون مساحات شاسعة في جنوب وشرق أوكرانيا.
كما أن رفض الأوروبيين لمطلب أوكرانيا، سيعزز أوهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن استعادة نفوذ موسكو كما كان عليه الحال إبان الحقبة السوفيتية، وفي هذا السياق، يؤكد مؤيدو المطلب الأوكراني أن “أي شيء أقل من منح أوكرانيا صفة المرشح رسمياً، سيشجّع بوتين على إطالة أمد الحرب”.
لكن المسؤولين في بعض حكومات الاتحاد الأوروبي، لا سيما الدنمارك والبرتغال، لم يخفوا ترددهم الشديد تجاه المطلب الأوكراني، على اعتبار أن الأخيرة، حتى لو أنها لا تعيش حرباً، فلن تستطيع الإيفاء باستحقاقات بدء محادثات منح العضوية.
وثمّة حكومات أوروبية أخرى، أعربت عن دعمها لمطلب أوكرانيا، لكن تلك الحكومات تضغط بشدّة من أجل وضع شروط في مقدمها أن مفاوضات الانضمام الفعلية لا يمكن أن تبدأ قبل أن تعيد أوكرانيا السلام إلى ربوعها والوحدة إلى أراضيها.
عنوانٌ بلا نص
وتبذل غالبية الدول الشرقية في الاتحاد الأوروبي، وخاصة بولندا ودول البلطيق، جهوداً من أجل منح أوكرانيا صفة المرشح، ويعربُ المسؤولون في تلك البلدان عن استعدادهم لتسريع عملية انضمامها للتكتّل.
ويقول سفير بولندا لدى الاتحاد الأوروبي أندريه سادوتش “لا خيار أمامنا سوى توجيه رسالة سياسية واضحة من خلال منح المجلس الأوروبي صفة المرشح لأوكرانيا”، معرباً عن اعتقاده بأن الأخيرة ستحصل على تلك الصفة خلال اجتماع الزعماء الأوروبيين الأسبوع المقبل.
وفيما يتعلق بإمكانية أن يفرض المجلس الأوروبي شروطاً صارمة على أوكرانيا من أجل بدء محادثات الانضمام، قال سادوتش: “أما بشأن الإصلاحات والتحديثات الضرورية، فدعونا ننتظر رأي المفوضية يوم الجمعة”، مشيراً إلى أن أوكرانيا لا تستطيع أن تُطلق قاطرة الإصلاح الفعّال قبل أن تضع الحرب أوزارها، علماً أنه يتعيّن على أوكرانيا إظهار أن نظامها السياسي والاقتصادي وحتى البيئي تتواءم لوائحه والمقومات الأوروبية ضمن ما تنص عليه معاهدات الاتحاد الأوروبي، كشرط من شروط الانضمام إلى التكتّل.
وفي إشارة إلى الخلاف الشديد بين الدول الأعضاء بشأن المطلب الأوكراني، فقد تضمنت المسودة المنقحة لجدول أعمال قمة المجلس الأوروبي المقبلة، هذه المسودة التي تم إعدادها صباح الأربعاء، تتضمّن فصلاً بعنوان: “طلبات العضوية لأوكرانيا وجمهورية مولدوفا وجورجيا”، لكنّ تحت هذا العنوان لم يكن ثمة نصّ مطلقاً.ويشير بعض الدبلوماسيين إلى وجهات النظر المتشددة في وارسو وفيلنيوس وتالين وريغا على وجه الخصوص، محذرين من فجوة عميقة قد تفصل بين دول الشرق وبين دول الغرب في الاتحاد الأروبي بسبب تلك القضية، لكنّ إلى الأن لم تتبلور الإنقسامات بين الدول الأعضاء في التكتّل على نحو جلي.
الدول الأوروبية الكبرى
أمّا على الصعيد العملي، فإن فرص أوكرانيا في الحصول على صفة مرشح ستكون معدومة تماماً بدون دعم ألماني، وآخر فرنسي، إذ يلعب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دوراً حاسماً في هذا الأمر نظراً لأن بلاده تتولى حالياً الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي ، وبالتالي فهي مسؤولة عن التوسط في أي نقاش بين دول التكتّل.
ماكرون وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيسة مولدوفا مايا ساندو في العاصمة كيشنوف، أعرب عن توقعاته بأن يعطي المجلس الأوروبي إجابة واضحة الأسبوع المقبل، وقال: “لا أعتقد أنه سيكون ثمة حل وسط، ولا إجابات ملتبسة”، مستطرداً: “لا أريد أن أتوقع القرار، لأن دوري هو بناء توافق في الآراء. لكني أتمنى أن أبعث برسالة إيجابية واضحة حول هذا الموضوع”.
أما اليوم الخميس، وخلال زيارة “دعم” غير مسبوقة، قام بها الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي والرئيس الروماني كلاوس يوهاني، إلى كييف، فقد أكد ماكرون أن بلاد وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تدعم منح أوكرانيا “فورا” وضع المرشح الرسمي لعضوية الاتحاد الأوروبي، وقال: “نحن الأربعة ندعم منحها فورا وضع المرشح للعضوية”، لافتاً إلى أن “هذا الأمر سيكون مصحوبًا بخريطة طريق”.
ومن ناحيته، أكد المستشار الألماني خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الزعماء الأربعة أن “أوكرانيا جزء من الأسرة الأوروبية”، مشيراً إلى أنه سيكون من الضروري “القيام بكل ما هو ضروري” من أجل “تأمين إجماع” داخل الاتحاد الأوروبي لمنحها وضع المرشح، غير المستشار الألماني عاد و ذكّر بأن “عضوية الاتحاد الأوروبي تخضع لقواعد واضحة يجب أن يحترمها الجميع”، ومن المؤكد أن الاستجابة الأوكرانية لهذه القواعد تطلب زمناً طويلاً ربما يحاكي الزمن الذي كان تحدّث عنه ماكرون قبل أسابيع ووصفه بـ”العقود”.
وبدوره قال ماريو دراغي خلال المؤتمر الصحافي نفسه إن إيطاليا “تدعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي”، وأضاف أن روما “تريد أن يكون لأوكرانيا وضع المرشح وستدعم هذا الموقف في المجلس الأوروبي المقبل”، لكنه لمح إلى أن الطريق لنيل العضوية قد يكون طويلاً.
لكنّ، في نهاية المطاف، لا شيء مؤكد، حتى الآن، سوى حقيقة واحدة، فحواها، أن الاستجابة للمطلب الأوكراني يستوجبُ إجماعاً من قادة دول الاتحاد الأوروبي، والسؤال، هل يتحقق هذا الأمر الأسبوع المقبل؟، أما سيكون ثمة حلول وسط تؤجل في مضمونها الاستجابة للمطلب الأوكراني لأجل غير مسمى؟
المصدر : يورو نيوز