يستعد الملايين من الناس في مختلف أنحاء المملكة المتحدة وخارجها للاحتفال بتتويج الملك تشارلز الثالث، وهي مراسم رمزية تجمع ما بين الطقوس الدينية والاحتفالية الملكية، تنطلق في 6 مايو (أيار) المقبل، في كاتدرائية ويستمنستر، بالعاصمة البريطانية لندن، حيث سيكون الملك تشارلز رفقة عقيلته كاميلا.
مراسم التتويج
عادات وتقاليد ترجع لأكثر من 1000 عام، ولمن لم يشهد لحظة تتويج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، لديه فرصة اليوم ليتعرّف على كيفية سير مراسم تتويج الملوك في بريطانيا.
تبدأ الاحتفالات الرسمية كما جرت العادة، بموكب ينطلق من قصر باكينغهام نحو كاتدرائية ويستمنستر، مروراً بمناطق على طول الطريق.
وفي هذا اليوم الملكي لا بدّ من العودة بالتاريخ إلى زمن يسرد، لمن لا يعرفه، قصة الكاتدرائية، التي احتضنت تتويج الملوك، ومراسم زواجهم ودفنهم.
أهميتها كبيرة في بريطانيا منذ ما يقرب من ألف عام. ففي أربعينات القرن الماضي، بنى الملك إدوارد المعترِف، كنيسة حجرية في موقع دير للرهبنة البندكتية تأسس نحو عام 960. في توسعة كبيرة للموقع. ومع الملك هنري الثالث وبأوامر منه في عام 1245، بدأت أعمال بناء الكنيسة القوطية المهيبة الحالية، وصُممت خصيصاً لتنظيم مراسم تتويج الملوك ودفنهم.
وفي عام 1066، شهدت الكاتدرائية تتويج أوّل ملك، هو ويليام الأول، وبقي التقليد واستمر على مرّ القرون. وفي عام 1953 تُوّجت الأميرة إليزابيث، وجلست على الكرسي لتصبح الملكة إليزابيث الثانية. واليوم ستُقام مراسم التتويج نفسها لابنها البكر تشارلز، الذي سيكون الملك الأربعين الذي سيُتوّج في الكنيسة.
بعد نحو 234 سنة من أول مراسم تتويج شهدتها الكاتدرائية، صُنع كرسي التتويج في 1300 – 1301. ويضم «حجر السكون» الذي استخدم لقرون في مراسم تتويج ملوك أسكوتلندا. وفي عام 1950 سرق الحجر طلاب من أسكوتلندا لفترة مؤقتة، وكسروه عن طريق الخطأ إلى جزأين، ومع تصاعد المشاعر القومية في عام 1996. أُعيد رمزياً إلى أسكوتلندا، بيد أنه سيرجع من قلعة إدنبرة إلى ويستمنستر لمراسم التتويج.
– مراسم زفاف
شهدت الكاتدرائية أيضاً مراسم زفاف لأفراد من العائلة الملكية، غالبيتها منذ الحرب العالمية الأولى. أولى تلك المراسم كانت زفاف الملك هنري الأول على الأميرة ماتيلدا من أسكوتلندا في عام 1100. ومعظم مراسم الزفاف جرت بعد الحرب العالمية الأولى. كما تزوّج فيها في عام 1923 والدا الملكة إليزابيث، الأمير ألبرت الذي أصبح فيما بعد الملك جورج السادس، وإليزابيث بوز – ليون.
وفيها أيضاً، أقيمت مراسم زواج الملكة إليزابيث وفيليب ماونتباتن في 1947. لتدخل حينها، بعض البهجة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وآخر زفاف ملكي شهدته الكنيسة كان زفاف الابن البكر لتشارلز، الأمير ويليام على كيت ميدلتون في 2011.
وقبل 26 عاماً أي في عام 1997، حضر ويليام في الكنيسة نفسها جنازة والدته ديانا بعد وفاتها في حادث سير في العاصمة الفرنسية باريس.
مراسم جنازة
يُعتقد أن 18 من ملوك بريطانيا مدفونون في مقبرة الكنيسة من بين 30 ملكاً وملكة، أولهم إدوارد المعترف، وآخرهم الملك جورج الثاني في 1760. كما تضم المدافن رفات 3300 شخص من بينهم عدد من أبرز شخصيات التاريخ البريطاني.
ومن بين هؤلاء الروائي الإنجليزي، تشارلز ديكنز صاحب رواية «أوليفر تويست»، والشاعر جيفري شوسر، والكاتب والناقد والشاعر صمويل جونسون، والروائي روديارد كيبلينغ، والروائي ألفرد تنيسون، والمؤلف الموسيقي هنري بورسل، والسياسي ويليام ويلبرفورس، والممثل والمنتج والمخرج لورنس أوليفييه، والروائي توماس هاردي، وثمانية رؤساء وزراء. كما دُفن رماد عالم الفيزياء الفلكية الكبير ستيفن هوكينغ عام 2018 بين قبري آيزاك نيوتون وتشارلز داروين.
ولشخصيات كبيرة أخرى لوحات في الكنيسة تخلّد ذكراهم مثل جين أوستن، وبنجامين بريتن، ونويل كوارد، وفرانسيس دريك، وإدغار إلغار، ومارتن لوثر كينغ، وأوسكار وايلد. وفيها أيضاً شاهد قبر لرئيس الوزراء في فترة الحرب وينستون تشرتشل داخل المدخل الغربي للكنيسة. وأقيم شاهد القبر قرب مقبرة الجندي المجهول، الذي أحضرت جثته من البر الأوروبي بعد الحرب العالمية الأولى. ويرمز القبر لجميع الجنود البريطانيين الذين سقطوا في المعارك، حيث تركت الملكة إليزابيث الثانية ووالدتها قبلها، باقتي زفافهما على القبر.
– عقار تابع للعرش
والكنيسة – واسمها الكامل «كنيسة القديس بطرس الجامعة، ويستمنستر» – هي «عقار تابع للعرش»، بمعنى أنها لا تخضع لأي سلطة كنسية ما عدا سلطة الملك أو الملكة. والملك البريطاني هو الرأس الأعلى لكنيسة إنجلترا. ويمكن للكنيسة في الأوقات العادية استيعاب قرابة 2200 شخص. وخلال مراسم تتويج الملكة إليزابيث، احتشد قرابة 8250 شخصاً، بعد أن نُصبت منصات مخصصة لذلك.
وسيحضر نحو ألفي شخص تتويج الملك تشارلز، بسبب قيود حديثة تتعلّق بالصحة والسلامة. والكنيسة مفتوحة للعامة وتُنظّم القداديس والصلوات بشكل عادي.
تقاليد
بعد مراسم دينية في 6 مايو، ستشهد المملكة المتحدة 3 أيام من الاحتفالات بتتويج تشارلز الثالث. ويتجذّر الاحتفال الديني في التقاليد الملكية، غير أنّ الملك أراد تحديثه.
سيبدأ هذا النهار التاريخي بـ«موكب الملك»، الذي سيتوجّه إلى ويستمنستر من قصر باكنغهام، في عربة ستسير نحو كيلومترين.
ومن المقرّر أن يبدأ الاحتفال عند الساعة 11:00 (10:00 توقيت غرينيتش)، ويستمرّ نحو ساعة تحت إشراف كبير أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، الزعيم الروحي للكنيسة الأنجليكانية.
ومن المفترض أن يعكس الاحتفال، الذي ستتخلّله موسيقى كلاسيكية ومؤلّفات موسيقية أكثر حداثة، «دور الملك اليوم والتطلّع إلى المستقبل، مع التجذّر في التقاليد والعظمة التاريخية»، وفقاً للقصر.
ورغم أنّ تشارلز الثالث (74 عاماً) أراد احتفالاً أبسط وأقصر من الاحتفال بتتويج والدته، أمام جمهور من الضيوف يقتصر على ألفي شخص (قادة أجانب، وملوك، ومسؤولون منتخبون، ومجتمع مدني)، فإنّ بعض الخطوات تبقى غير قابلة للتغيير.
وقد شهد قسم التتويج، المكتوب منذ عام 1688. تغييرات على مرّ القرون. على سبيل المثال، أقسمت إليزابيث الثانية على أن تحكم «وفقاً لقوانينها» شعب المملكة المتحدة والدول الـ14 الأخرى التابعة للتاج، والدفاع عن الديانة الأنجليكانية التي يرأسها الملك.
بعد ذلك، سيحصل الملك الجالس على كرسي الملك إدوارد، على المسحة بالزيت من رئيس الأساقفة، ومن ثمّ على الرداء الملكي، والكرة الذهبية التي يعلوها صليب، وصولجان وتاج القديس إدوارد، الذي سيوضع على رأسه.
وسيقدّم أعضاء العائلة الحاكمة تحيّة إجلال للملك، ليغادر بعد ذلك، الملك والملكة كاميلا، التي ستُتوّج أيضاً خلال الاحتفال، في عربة ضمن «موكب التتويج» باتجاه باكنغهام، يرافقهما هذه المرة موكب قوامه نحو أربعة آلاف جندي يرتدون ملابس احتفالية.
ستظهر العائلة المالكة أخيراً على شرفة القصر لتحية الحشد ومشاهدة طائرات سلاح الجو الملكي تحلّق في السماء.
عطلة نهاية أسبوع طويلة
بالإضافة إلى حفل 6 مايو، تستعدّ المملكة المتحدة لثلاثة أيام من الاحتفالات بالتتويج. فقد دُعي الشعب للمشاركة الأحد في «غداء كبير» في إطار الحفلات التي تشهدها الأحياء، حيث ستكون «تورتة التتويج» على القائمة، التي كشف القصر النقاب عن وصفتها في منتصف أبريل (نيسان) الحالي.
وفي الليل، ستقام حفلة موسيقية في قلعة وندسور في غرب لندن، سيحضرها 10 آلاف بريطاني اختيروا عشوائياً. ويتصدّر كل من كاتي بيري، وليونيل ريتشي، والتينور أندريا بوتشيلي، ملصقاً خاصّاً بهذا الحفل تميّز بغياب النجوم البريطانيين.
وأخيراً، ستدعو العائلة المالكة البريطانيين للقيام بأعمال تطوعية الاثنين في 8 مايو، الذي سيكون يوم عطلة.
المصدر: جريدة أحوال بريطانيا