مع منع رياضييها من المنافسة في الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، وجهت روسيا غضبها نحو الدولة المضيفة لهذا العام. وقام المروجون للدعاية الروسية بإعداد فيلم وثائقي مدته ساعة، وتقارير إخبارية مزيفة، كما قاموا بمحاكاة وكالات المخابرات الفرنسية والأميركية لإصدار تحذيرات زائفة تحث الناس على تجنب الألعاب، وفقاً لتقرير أصدرته شركة «مايكروسوفت» أمس (الأحد). ويعرض التقرير تفاصيل حملة التضليل التي أنشأتها مجموعة تطلق عليها الشركة اسم «Storm – 1679».
ويبدو أن الحملة تسارعت منذ شهر مارس (آذار)، حيث غُمرت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو قصيرة تدق ناقوس الخطر بشأن الهجمات الإرهابية المحتملة وتثير المخاوف بشأن السلامة. ورغم أن العملية تستهدف الألعاب الأولمبية، فإنها تستخدم تقنيات مختلفة لنشر معلومات مضللة يمكن استخدامها أيضاً في الانتخابات الأوروبية والأميركية.
وقد تابع المسؤولون الأميركيون والفرنسيون الحملة. وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن المعلومات المضللة الروسية، التي ينشرها الكرملين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما زالت تهدد أمن الولايات المتحدة وحلفائها. وحاولت المجموعة أيضاً حث مدققي الحقائق على فحص ادعاءاتها، على أمل استغلال الاهتمام لنشر المعلومات المضللة إلى جماهير جديدة.
لعدة أشهر، ركز المسؤولون الفرنسيون على الطرق التي يمكن أن تسعى بها روسيا إلى تقويض الألعاب. عطل قراصنة تابعون للمخابرات الروسية حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 في كوريا الجنوبية، ويستعد المسؤولون الفرنسيون لمزيد من الهجمات الإلكترونية هذا العام. ورفعت فرنسا مستوى التحذير من الإرهاب بعد هجوم تنظيم «داعش» في موسكو في مارس والتهديدات ضد مباريات كرة قدم رفيعة المستوى في باريس. كما قامت فرنسا بتعزيز الإجراءات الأمنية أثناء الألعاب الأولمبية.
ولا يحذر المسؤولون الفرنسيون أو الأميركيون الناس من الابتعاد عن الألعاب، لكن حملة التضليل الروسية مصممة لتخويف الناس ودفعهم إلى القيام بذلك. حدد الباحثون في «مايكروسوفت» ومسؤولون حكوميون أميركيون عدداً من المجموعات التابعة للكرملين والتي تنشر معلومات مضللة تستهدف أوروبا والولايات المتحدة.
ويتم توجيه بعضها من قبل مساعدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وآخرين تابعين للمخابرات الروسية. يختبئ البعض وراء مجموعات غير ربحية مزيفة والبعض الآخر من المخضرمين في «وكالة أبحاث الإنترنت»، ومقرها سانت بطرسبرغ، والتي نشرت الدعاية الانتخابية في عام 2016. وكان يدير الوكالة يفغيني بريغوجين، مؤسس مجموعة «فاغنر» الذي قُتل بعد تحطم طائرته العام الماضي. وتتوافق المعلومات المضللة التي تنشرها المجموعة مع دعاية الكرملين، ولكن لا يُعرف سوى القليل من التفاصيل عنها.
تم استهداف «Bellingcat»، وهي مجموعة بحثية تستخدم البيانات المتاحة للجمهور لإجراء تحقيقات مفتوحة المصدر، بمقاطع فيديو مضللة.
يقول إليوت هيغينز، مؤسس شركة «Bellingcat»، إن مجموعته لم تحدد ما إذا كانت «Storm – 1679» مدعومة من الحكومة الروسية أم أنها مستقلة.
بدأ العمل بشكل جدي في الصيف الماضي بإصدار فيلم وثائقي مزيف عن اللجنة الأولمبية الدولية، ومصادرة شعار «نتفليكس» واستخدام صوت مدعوم بالذكاء الاصطناعي ينتحل شخصية الممثل توم كروز. ونجحت اللجنة في إزالة الفيديو – وهو محاكاة ساخرة لفيلم «Olympus Has Fallen» لعام 2013 – من موقع «يوتيوب».
ويبدو اليوم أن مجموعة «Storm – 1679» تقوم بإنشاء مقاطع فيديو أقصر يسهل إنتاجها.
وتقدر «مايكروسوفت» أن «Storm – 1679» ينتج ما بين ثلاثة إلى ثمانية مقاطع فيديو مزيفة أسبوعياً، باللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث ينتحل العديد منها صفة هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وقناة «الجزيرة» وغيرهما من محطات البث.
ويبدو أن المجموعة تستجيب بسرعة للأحداث الإخبارية، مثل الاحتجاجات في كاليدونيا الجديدة، وهي منطقة فرنسية في المحيط الهادئ. ويركز آخرون على احتمال وقوع هجوم إرهابي في باريس.
معظم مقاطع الفيديو المزيفة تقول إن مصدرها وكالة المخابرات المركزية والاستخبارات الفرنسية. وقال كلينت واتس، رئيس مركز تحليل التهديدات الرقمية في «مايكروسوفت»: «يريدون ترويع الناس من الذهاب إلى الألعاب الأولمبية».
وقال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية إن مقطع الفيديو الذي انتشر على الإنترنت في فبراير (شباط) الماضي، والذي يُزعم أنه تحذير من الوكالة من وقوع هجمات إرهابية خلال الألعاب، كان ملفقاً.
في فبراير، حددت وكالة «Viginum»، وهي الوكالة الحكومية الفرنسية التي تكافح المعلومات المضللة عبر الإنترنت، هوية وهمية تابعة لوكالة المخابرات المركزية كجزء من حملة أطلق عليها اسم «ماتريوشكا» (اسم الدمى المعششة التي تحظى بشعبية كبيرة في روسيا). وقال شخص مطلع على التحقيق الفرنسي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة التقييمات الاستخباراتية الحساسة، إن «Viginum» ووزارة الخارجية الفرنسية حددا بسرعة المعلومات المضللة الروسية من المجموعة التي تهدف إلى تقويض الأولمبياد.