أخبار
تعليق أعمال وكتب صحافي ألماني شهير بعد الكشف عن تلقيه مبالغ مالية من الكرملين
فتحت قناة ألمانية حكومية تحقيقاً داخلياً مع واحد من أشهر الصحافيين المتعاونين معها الذي دأب على الظهور منذ سنوات بوصفه معلقاً متخصصاً بالشأن الروسي، بعد الكشف عن تلقيه مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 600 ألف يورو من مقرب من الكرملين لم يكشف عنها للقناة. كما أوقفت دار النشر الألمانية «هوفمان وكامبه» توزيع كتابين للصحافي هوبيروت تزايبل نشرتهما له حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفتحت تحقيقاً في «تصرفه» بسبب عدم إبلاغ الدار عن المبالغ المالية التي تلقاها من روسيا.
وقال مدير عام قناة «إن دي آر» يواكيم كنوت إن القناة «تشتبه في أنه قد تم خداعها وخداع الجمهور عن عمد»، مضيفا أن القناة تبحث اتخاذ إجراءات قانونية بحق الصحافي الذي يُعرف بآرائه المدافعة عن موسكو، ودأب على الظهور معلقاً، أو منتج تحقيقات من موسكو عرضت على القناة، كما أجرى مقابلات مع بوتين في الماضي عرضت على القناة الألمانية، إضافة إلى مقابلة مع إدوارد سنودن الذي يعيش في روسيا؛ هرباً من اعتقاله في الولايات المتحدة بعد تسريبه مراسلات أميركية دبلوماسية سرية.
هوبيروت تزايبل (أ.ف.ب)
وحتى كشف ارتباطه بموسكو من قبل مجموعة من وسائل إعلام تضم القناة الألمانية الثانية ومجلة «شبيغل»، كان تزايبل واحداً من أكثر الخبراء في الشأن الروسي شهرة في ألمانيا، وقد فاز بعدد من الجوائز الصحافية المرموقة لأعماله وأفلامه من روسيا. وكتب كتابين حول بوتين، الأول عام 2015 تحت عنوان «بوتين: وجهات نظر داخلية حول السلطة»، وهو بمثابة سيرة ذاتية لبوتين. ونشر الثاني عام 2021 تحت عنوان «قوة بوتين: لماذا تحتاج أوروبا إلى روسيا؟». ويذكر الكتاب الثاني بأن تزايبل «هو الصحافي الغربي الوحيد الذي يتمتع بوصول مباشر وشخصي» للرئيس الروسي، و«لا يوجد أحد يعرف فلاديمير بوتين أكثر من هوبيروت تزايبل».
ويعترف الصحافي نفسه بأنه التقى بوتين «أكثر من 100 مرة»، كما اعترف بتلقيه مبالغ مالية تصل إلى 600 ألف يورو من الأوليغارش الروسي أليكسي مورداشوف المرتبط بالكرملين، ولكنه قال بأن المبالغ كانت «رعاية» للأبحاث التي أجراها لعمله من دون أن يكون لدافعها أي تأثير على مضمون الأعمال. وتفيد العقود التي كشفت عنها وسائل الإعلام والتي تظهر تلقي الصحافي مبالغ مالية، أنه تلقى كذلك «دعماً تنظيمياً ولوجيستيا» أثناء زياراته لموسكو من الشركة المملوكة للأوليغارش.
ونقلت وسائل إعلام ألمانية نشرت التحقيق مع تزايبل نفيه أن يكون «عميلاً لبوتين»، وقال إنه «لا أحد من الذين عمل معهم شكك» في أنه يعمل لصالح «قوى خارجية». ونفى أن يكون الأوليغارش مورداشوف الذي دفع له المبالغ المالية الضخمة «مرتبطاً بالحكومة» الروسية، أو «على علاقة بأي طرف أمني أو حكومي». ورغم أنه أكد رعاية مورداشوف لكتبه، فقد نفى أن يكون قد أثر على مضمون الكتب. وقال إن مورداشوف «رجل أعمال يرعى مشاريع بأمواله الخاصة، ودعمه كان فقط للكتب التي أدت إلى نقاشات حية حول الآيديولوجيات المختلفة». وعندما سئل حول ما إذا كان قد أبلغ دار النشر والقنوات الألمانية التي كانت تعرض أعماله، قال: «فكرة أن يتم سؤالي كل مرة إذا ما كانت لدي دوافع مختلفة هو أمر سخيف»، مضيفا أن أحدا لم «يشكك» بارتباطاته الخارجية.
وأبقى تزايبل المبالغ المالية التي تلقاها من مورداشوف سرية حتى بعد أن أدرج الاتحاد الأوروبي في فبراير (شباط) 2022 الأوليغارش الذي يعد ثاني أغنى رجل في روسيا، على لائحة العقوبات الأوروبية التي فرضت على المقربين من الكرملين بسبب الحرب في أوكرانيا. حتى أنه نفى أن يكون قد تلقى أي مبالغ مالية عندما سئل عن ذلك عام 2021.
ودافع تزايبل عن موسكو قبل غزوها لأوكرانيا واتهم الغرب بتضخيم الوقائع، ثم وجه اللوم للدول الغربية بعد الغزو، بسبب توسع «الناتو» على حدود روسيا. وكان غالباً ما يقارن بين حجم الجيش الأميركي والروسي والإنفاق العسكري داخل البلدين، ليستنتج أن التهديد يأتي من واشنطن، وأن روسيا تتعرض للاستفزاز الأميركي والغربي.
وأعادت فضيحة تزايبل إلى الأضواء الاتهامات التي توجه إلى عدد كبير من الألمان في مراكز تأثير تعد «متعاطفة» مع روسيا. وتمتد هذه المخاوف من خرق روسيا للمخابرات الألمانية وتأثيرها على سياسيين خاصة من اليمين المتطرف واليسار المتطرف. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي وجّه الادعاء العام الألماني اتهامات بالخيانة العظمى لضابط مخابرات ألماني تلقى ما يزيد على 400 ألف يورو من موسكو. واتُّهِم كذلك في الوقت نفسه ألماني آخر بالعمالة بعد الاشتباه في إيصاله رسائل إلى موسكو. وقبلها بشهر اعُتقل أيضا موظف آخر داخل الجيش الألماني بعد الاشتباه في أنه يتجسس لصالح روسيا.
وقبل الحرب في أوكرانيا كانت السياسة الألمانية بشكل عام مقربة من روسيا بفعل العلاقات الاقتصادية الضخمة واعتماد برلين على الغاز الروسي. كل هذا تغيّر بعد الحرب ووقفِ ألمانيا استيراد الغاز الروسي، وإعلانها أن الحرب في أوكرانيا شكّلت «نقطة تحول» في سياستها تجاه روسيا. وحتى المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي كانت مسؤولة خلال السنوات الـ15 الماضية عن تطوير العلاقات الاقتصادية بشكل كبير مع موسكو، رأت أن ألمانيا كانت «ساذجة» في تعاطيها مع روسيا، وأنها أخطأت في سياسة المهادنة التي اعتمدتها معها منذ نهاية الحرب الباردة.