سياسة
موسكو تتوقع تصعيداً في العمق الروسي وتجدد رفض «صيغة السلام» الأوكرانية
مع اقتراب الحرب الأوكرانية من دخول عامها الثالث بعد أسبوع، أحيت روسيا الجمعة الذكرى العاشرة لأحداث «الميدان الأوكراني» التي وقعت قبل 10 سنوات وكانت الفتيل الذي أشعل المواجهات في المناطق الانفصالية في إقليم دونباس، وقادت إلى إعلان قرار ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ومهّدت الظروف للمواجهة الكبرى التي تشهدها أوكرانيا منذ سنتين.
بهذه المناسبة نظّمت موسكو مؤتمراً حمل عنوان «الميدان الأوكراني… عقد أوكرانيا الضائع» حضره وزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من المسؤولين الآخرين. وطرح خلاله الوزير الروسي رؤية بلاده لأسباب المواجهة والواقع العسكري والسياسي الحالي.
اندلعت أحداث «الثورة الأوكرانية» وفقاً للتسمية المتداولة في كييف في فبراير (شباط) 2014 احتجاجاً على تراجع الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش الذي كان مقرباً من موسكو في حينها عن توقيع اتفاقية الشراكة مع أوروبا التي تم إعدادها لسنوات قبل ذلك. لذلك، حملت الأحداث أيضاً تسمية «الميدان الأوروبي». وأسفرت أعمال الاحتجاج الواسعة عن سلسلة من الأحداث العنيفة التي شارك فيها متظاهرون وشرطة مكافحة الشغب ومسلحون مجهولون في العاصمة كييف، وانتهت بفرار الرئيس الأوكراني ليلة 16 فبراير إلى الأراضي الروسية، فيما أعلنت المعارضة تكليف حكومة مؤقتة بإدارة البلاد، وهو الأمر الذي رأت فيه موسكو «انقلاباً على الشرعية».
وقادت تلك الأحداث إلى اشتعال المواجهات بين القوات الحكومية ومجموعات الانفصاليين في إقليمي دونيتسك ولوغانسك بدعم مباشر من موسكو، كما أسفرت بعد مرور أقل من شهر عن إعلان ضم القرم رسمياً إلى روسيا وطرد القوات الأوكرانية التي كانت تتمركز في هذه المنطقة.
وأقدمت الحكومة المؤقتة، بقيادة أرسيني ياتسينيوك، على توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وأصبح بترو بوروشنكو رئيساً لأوكرانيا بعد نصر ساحق في الانتخابات الرئاسية المبكرة غير المقررة لعام 2014. وأسفرت هذه التطورات عن تعميق المطالب الانفصالية في شرق أوكرانيا، وهيأت الظروف تدريجياً للتدخل العسكري المباشر في المنطقة بعد مرور 8 سنوات على تلك الأحداث بسبب ما وصفته موسكو بأنه «فشل المحاولات السياسية لتسوية الأزمة المتفاقمة».
وبهذه المناسبة جدد لافروف تأكيد موقف بلاده على أن «الغرب استخدم أوكرانيا لاحتواء روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها ومنع موسكو من لعب الدور الذي تستحقه بحق على المسرح العالمي».
وزاد أن أوكرانيا تحولت بسبب أحداث الميدان من «بلد مستقر تلقى أغنى الإمكانات الصناعية من الاتحاد السوفياتي والإمبراطورية الروسية، إلى أفقر دولة في أوروبا، ومنطقة معرضة للخطر (…) وباتت سلطات كييف متسولاً دولياً معترفاً به عالمياً».
وأعاد لافروف التذكير بأن روسيا «لم تبدأ الحرب، بل وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن سكان دونباس الذين واجهوا عملية إبادة جماعية».
وأشار الوزير إلى أنه في مسألة الحوار مع أوكرانيا، فإن «الكرة حالياً ليست في ملعب موسكو، ويجب على فلاديمير زيلينسكي أولاً إلغاء المرسوم الذي يحظر إجراء المفاوضات». وأكد أن القيادة الروسية أبلغت الغرب مراراً بموقفها.
وحمل بشدة على «السياسيين الغربيين الذين مارسوا الخداع والاحتيال لمحاولة جرّ ممثلي جنوب وشرق العالم إلى ما يسمى بـ(صيغة السلام) التي طرحها زيلينسكي». وأوضح في الوقت نفسه أن «هذه الخطة طريق مسدودة وتمثل في الواقع استسلام روسيا».
وشدّد على بلاده لن تقدم تنازلات جديدة، و«لقد قدمنا كثيراً من التنازلات، ومبادرات حسن النية تجاه الغرب ، والحد الأقصى لهذه المبادرات قد استنفد بالفعل».
وبرغم أن إشارة لافروف حملت تشدداً حيال إمكانية فتح قنوات الحوار مجدداً مع الغرب، فإنه أضاف أن بلاده «أكدت مراراً أنها مستعدة للمفاوضات، لأن روسيا لا تسعى إلى تدوير دولاب الموازنة في الصراع الأوكراني، بل تسعى إلى إنهائه. فيما تعلن الدول الغربية باستمرار الحاجة إلى مواصلة الأعمال العدائية، وتواصل تزويد سلطات كييف بالأسلحة، وتقوم بتدريب مقاتلي القوات المسلحة الأوكرانية على أراضيها».
وكشف الوزير الروسي عن معطى جديد في ملف تسليح أوكرانيا، وقال إن المعطيات الروسية تؤكد أن الاتحاد الأوروبي يعمل على إقناع كييف بتصعيد استهداف العمق الروسي باستخدام أسلحة بعيدة المدى.
مشيراً إلى أن الهدف الغربي هو «تعزيز حال الارتباك والذعر لدى الروس، ومحاولة تقويض ثقة الشعب الروسي بالنصر».
وكما قال لافروف، وفقاً للبيانات الروسية، فإن الأوروبيين «قدّموا مثل هذه التوصيات، وتوصلوا إلى نتيجة، مفادها أن الأساليب التي تقاتل بها أوكرانيا الآن لن تكون قادرة على تحقيق الفوز». وحمل لافروف بقوة على وجه التحديد على موقف بريطانيا إزاء الصراع. وقال إن «الخط الذي تنتهجه لندن أكثر عدوانية من التصرفات الأميركية».
وفي الملفات المرتبطة ، قال الوزير الروسي إن الغرب حاول حرمان روسيا من حق النقض في مجلس الأمن، ملاحظاً أن أي جهد في هذا الاتجاه سوف يبوء بالفشل.
وقال الوزير: «من غير الواقعي التخلي عن حق النقض. عندها ستتحول (الأمم المتحدة)، تماماً مثل (عصبة الأمم)، إلى هيكل عديم الفائدة، ولن يؤدي إلا إلى تصعيد المواجهة». واعتبر أن «حق النقض ليس امتيازاً، بل أداة لضمان القرارات التي يمكن التحقق منها».
وأشار لافروف أيضاً إلى المناقشات داخل «الأمم المتحدة» حول إصلاح مجلس الأمن التابع للمنظمة. وشدّد على أن التغييرات المحتملة يجب أن «تعكس فهماً للتغيرات التكتونية التي تحدث في العالم في سياق عمليات التعددية القطبية». وفي هذا الشأن، عارض لافروف فكرة ضم اليابان إلى مجلس الأمن، وقال إنه «لا يمكن إضافة أعضاء جدد إلى مجلس الأمن من قبل الغرب. يحاولون ضم اليابان، التي تمارس سياسة غربية بالكامل».
وانتقد لافروف مجدداً ما وصفه ازدواج المعايير لدى الولايات المتحدة، وقال إن واشنطن «تفسر قوانين (الأمم المتحدة) كما يحلو لها، فحينما أرادوا إعلان استقلال كوسوفو عادوا إلى مبدأ تقرير المصير، وحينما حدث استفتاء القرم، قالوا إن هذا يتعارض مع مبدأ وحدة الأراضي».
المجمع الصناعي العسكري
على صعيد آخر، أشاد الرئيس فلاديمير بوتين خلال جولة تفقدية في المجمع الصناعي العسكري الروسي بمستويات زيادة إنتاج الأسلحة والمعدات القتالية لتلبية حاجات الجيش.
وخلال وجوده في مصنع «أورال فاغونزافود»، أحد أكبر مصانع روسيا والعالم للدبابات والعربات المدرعة وآليات شق الطرق والبناء، اطّلع الرئيس الروسي على نماذج من الآلات الحديثة وعينات من المنتجات النهائية، وبينها ناقلات حركة جديدة للآليات الثقيلة والدبابات.
كما استمع لشرح من مهندسي المصنع عن سير تطوير الدبابات والعربات المدرعة تماشياً مع متطلبات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واحتياجات الجيش المستقبلية.
وقال الرئيس الروسي إن «نتائج عمل المجمع، والزيادة الكبيرة في إنتاج مختلف المعدات العسكرية، أظهرت نتائج جيدة للغاية خلال العام ونصف العام الماضيين».
وأوضح أنه «بالنسبة لإنتاج الدروع الفردية، فقد نما 10 مرات، و(إنتاج) المركبات من مختلف الفئات نما 7 مرات، ونما إنتاج الدبابات 5 مرات، أي بزيادة 5 أضعاف، وإنتاج المركبات المدرعة من مختلف الفئات 3.5 مرة».
وفي وقت سابق، أعلنت مؤسسة «روستيخ» الروسية أنها زادت من إنتاج المدرعات والمحركات المخصصة للآليات العسكرية.
وقالت إنها تمكنت من زيادة الإنتاج بشكل كبير من خلال توسيع عمليات الإنتاج وتزويد المصنع بالمعدات الجديدة، وزيادة عدد العاملين فيه من 1400 إلى 2500 شخص.
وفي السياق نفسه، أفادت وزارة الدفاع الروسية، في تقريرها السنوي، بأن الصناعات الحربية الروسية تمكنت من مضاعفة إنتاج الذخيرة للجيش بمقدار 17.5 مرة منذ بدء العمليات العسكرية.