أخبارأوروبا

العواصم الأوروبية الكبرى كانت على علم مسبق بزيارة أوربان لموسكو

لم يفاجأ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بسيل الانتقادات والاستنكارات التي أثارتها زيارته إلى موسكو، الجمعة، في «مهمة سلام»، حيث استقبله بحفاوة بالغة الزعيم الروسي فلاديمير بوتين.

ولم تُفاجأ أيضاً معظم العواصم الأوروبية الكبرى بهذه الزيارة؛ فقد كانت على علم بها منذ مطلع الأسبوع، بحسب ما أكّدت مصادر دبلوماسية مطّلعة في الاتحاد الأوروبي، علماً بأنه زار كييف، الثلاثاء، وحضّها على التفاوض مع موسكو.

ولم يكن أوربان يجهل المواقف المعلَنة لنظرائه الأوروبيين، والمعارِضة للتواصل المباشر مع سيّد الكرملين في هذه المرحلة، كما لم يكن يجهل الاتهامات المباشرة وغير المباشرة التي يتعرّض لها بوصفه «طابوراً خامساً» لموسكو داخل الاتحاد الأوروبي، لكنه يعرف أيضاً أن ثمّة حالة إنهاك شعبي ورسمي عام في أوروبا، من الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتداعياتها الواسعة داخل بلدان الاتحاد، ويدرك أن دائرة القلق من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، مطلع العام المقبل، تتّسع وتتعمّق لدى معظم الشركاء الأوروبيين، الذين يخشون أن يجدوا أنفسهم وحيدين وراء أوكرانيا في مواجهة لا طاقة لهم على تحمّلها طويلاً ضد موسكو.

 

جانب من المحادثات بين بوتين وأوربان في الكرملين الجمعة (مكتب رئيس الوزراء المجري – إ.ب.أ)

 

وتفيد المعلومات بأن أوربان رفض التجاوب مع محاولات رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، الاتصال به قبل زيارته لموسكو، وبأنه اكتفى بإبلاغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، بها قبل دقائق من إقلاعه باتجاه العاصمة الروسية، وأن هذا الأخير أبلغ بها الإدارة الأميركية.

ويؤكد مستشار لأوربان أن رئيس الوزراء المجري يعرف تمام المعرفة أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي تتولّاها بلاده منذ مطلع الأسبوع وحتى نهاية السنة، لا تعطيه تفويضاً رسمياً للتحدث باسم الدول الأعضاء، لكن أوربان يصرّ على أن يكون تحقيق السلام شعار الرئاسة المجرية للاتحاد، وأولويتها الأولى.

وكان رئيس الوزراء المجري صرّح عشية زيارته لموسكو بقوله: «السلم لا يمكن تحقيقه من المقاعد الوثيرة في بروكسل، ولا يسعنا أن نبقى جالسين في انتظار معجزة تُنهي هذه الحرب». وأضاف: «سنكون أداة هامة للقيام بالخطوات الأولى نحو السلام».

وتقول أوساط دبلوماسية مطّلعة في بروكسل، إن عدداً من زعماء الاتحاد الأوروبي كانوا على علم بمبادرة أوربان، التي بدأها الثلاثاء الماضي بزيارة إلى العاصمة الأوكرانية، حيث اجتمع مطولاً بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، وتشير إلى أن التصريحات التي صدرت عن قيادات أوروبية، وكذلك عن وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، الذي دعا بلدان الاتحاد إلى عدم إجراء محادثات حول مستقبل بلاده من غير مشاركتها، لا تخرج عن إطار السيناريو المألوف في مثل هذه الحالات.

 

بوتين وأوربان في الكرملين الجمعة (مكتب رئيس الوزراء المجري – أ.ف.ب)

 

وتلفت هذه الأوساط إلى أن التصريحَين اللذَين يستحقان التوقف عندهما هما ما ورد على لسان أورسولا فون دير لاين، المرشحة لتجديد ولايتها على رأس المفوضية الأوروبية، ورئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالّاس، التي اختارتها القمة الأوروبية الأخيرة لتولّي منصب الممثلة العليا للسياسة الخارجية.

وكانت فون دير لاين شجبت بقوة زيارة أوربان لموسكو، وقالت: «إن التهدئة لن توقف بوتين، فقط بالوحدة والحزم يمكننا أن نمهّد الطريق نحو السلام الواسع والعادل والدائم في أوكرانيا». ومثلها دانت كالّاس مبادرة رئيس الوزراء المجري، واتهمته باستغلال الرئاسة الدورية للاتحاد لزرع التفرقة.

وقالت الأوساط الدبلوماسية إن السبب وراء هذه التصريحات، التي تجاوزت بقسوتها ما ورد على ألسنة بعض الزعماء الأوروبيين الآخرين، هو أن تعيين فون دير لاين وكالّاس ما زال مرهوناً بموافقة البرلمان الأوروبي الجديد، عندما يعقد جلسته الأولى بعد أيام في بروكسل، علماً بأن غالبية أعضاء البرلمان لها موقف متشدّد من موسكو.

لكن رئيس الوزراء المجري، الذي دأب منذ بداية الحرب على عرقلة تدابير الدعم الأوروبي لأوكرانيا، والعقوبات على موسكو، والذي كان أول زعيم أوروبي يلتقي بوتين بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة جلب بحقه، يبدو مصمّماً على مواصلة مساعيه من أجل السلام بين روسيا وأوكرانيا، الذي أعلن أنه سيعرض نتيجة محادثاته في كييف وموسكو، بعد أيام، على القمة الأطلسية السنوية، في واشنطن، التي قد تكون آخر قمم «الناتو» التي يحضرها جو بايدن.

 

زيلينسكي وأوربان خلال مؤتمر صحافي في كييف الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)

 

وأشارت «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن رئيس وزراء سلوفاكيا الشعبوي روبرت فيكو، هو العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي أعرب عن «إعجابه» بنهج نظيره المجري؛ إذ قال إنه «لم تكن هناك أبداً مناقشات أو مبادرات كافية بشأن السلام»، وأكّد أنه لو لم يكن في فترة نقاهة بعد إصابته بطلق ناري في محاولة اغتيال في مايو (أيار) الماضي، لكان «يودّ كثيراً الانضمام» إلى أوربان.

من جهته، أعرب البيت الأبيض عن «قلقه حيال الخيار الذي اتخذه رئيس الوزراء أوربان بالتوجه إلى موسكو»، حسبما صرّحت به، الجمعة، المتحدثة باسمه كارين جان بيار. وقالت المتحدثة إن هذه الزيارة للمسؤول المجري «لن تدفع قُدماً قضية السلام، وهي تأتي بنتائج عكسية لجهة دعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها واستقلالها».

ومن جهته، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تصريح للتلفزيون الرسمي الروسي، إن الزيارة جاءت بمبادرة من أوربان، ولم يسمع بها المسؤولون الروس سوى الأربعاء، أي غداة زيارة الأخير لكييف.

إغلاق