منذ تولي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رئاسة بلاده لمجلس الاتحاد الأوروبي، تصاعدت المخاوف من استغلاله لهذا المنصب لتجاوز القواعد والمعايير المتبعة في الاتحاد الأوروبي. وتعد هذه الرئاسة فرصة فريدة لأي دولة عضو لتسليط الضوء على أولوياتها ولعب دور رئيسي في توجيه جدول الأعمال الأوروبي.
وتقول الباحثة أرميدا فان ريج، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، إنه في أول يوليو (تموز)، تولت المجر الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر.
ويعدّ المجلس المكان الذي يجتمع فيه وزراء دول الاتحاد للتفاوض والموافقة على قوانين الاتحاد الأوروبي والميزانية الأوروبية، من بين أمور أخرى. وتقول ريج، رئيسة برنامج أوروبا بمعهد تشاتام هاوس، إن الدولة العضو التي تتولى الرئاسة تقوم بدور رئيسي في دفع جدول الأعمال التشريعي من خلال ترأس اجتماعات المجلس، وضمان التعاون الجيد مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى، وضمان استمرار جدول أعمال سياسات الاتحاد الأوروبي. ونظرياً، تركز صلاحيات الرئاسة بشكل أساسي على الأداء اليومي للاتحاد الأوروبي.
ولكن بعد أسبوعين فقط من تولي المجر للمنصب، بات من الواضح أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يتطلع إلى إحداث تغييرات جادة. في اليوم الثاني من رئاسته، سافر أوربان إلى أوكرانيا، في أول رحلة له خلال 12 عاماً، للقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي، تلاها في اليوم الخامس رحلة إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين. وهذا الأسبوع، قام أوربان برحلة غير معلنة إلى الصين للقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ، وسافر إلى واشنطن لحضور قمة «الناتو»، وهي الرحلة الوحيدة المخطط لها مسبقاً.
وتتساءل فان ريج: «ماذا تخبرنا هذه الرحلات عن خطط أوربان؟»، وعلى الرغم من أن هذه الرحلات تعدّ تقنياً رحلات ثنائية، حاول أوربان إحداث البلبلة عن طريق عرض أعلام الاتحاد الأوروبي في كييف، واستخدام شعار الرئاسة المجرية على المواد الترويجية لرحلته إلى الصين. وذكرت وسائل الإعلام الصينية والروسية على نحو غير صحيح أن أوربان سافر ممثلاً للاتحاد الأوروبي، مما أثار غضب القادة ورؤساء الحكومات في الاتحاد الأوروبي.
وقدمت المجر هذه الرحلات بوصفها «مهمة سلام»؛ للمساعدة في التفاوض على وقف إطلاق النار في الحرب في أوكرانيا. وقد يرى أوربان نفسه واحداً من القلة الذين يمكنهم التحدث إلى كلا الجانبين، لكن في الواقع ليس لديه تفويض للقيام بذلك.
وترى فان ريج، كما جاء في تحقيق الوكالة الألمانية، أن السفر إلى روسيا للقاء رئيس دولة خاضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي، والذي تجاهل سلامة الأراضي لدولة أخرى، هو أمر غير مسبوق.
ويعد القيام بذلك في الأسبوع الذي تولت فيه المجر الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي انتهاكاً للمعايير التي وضعتها معاهدات الاتحاد الأوروبي. وربما الأكثر أهمية هو تمكين البلبلة حول ما إذا كان يمثل المجر أو الاتحاد الأوروبي أيضاً في رحلاته، مما يمكن أن يشكل خرقاً لقانون الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، هذا هو سلوك أوربان النموذجي. وعندما جاء وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو للتحدث في تشاتام هاوس في وقت سابق من هذا العام، صرح بوضوح أن هدف المجر هو العرقلة.
وتقول فان ريج إن المقلق أن هذا النهج يجد صدى لدى الآخرين. ويقوم أوربان بترسيخ تحالفات، بما في ذلك مع روبرت فيكو في سلوفاكيا، ومع رئيس الوزراء البولندي السابق ماتيوش مورافيتسكي. كما انضم إلى الفصيل السياسي الجديد لأوربان في البرلمان الأوروبي قوميون وأحزاب يمينية متطرفة من التشيك وفرنسا وإسبانيا وهولندا.
ولم يطور الاتحاد الأوروبي استجابة مُرضية تستطيع استيعاب أو إكراه المجر للعودة إلى المسار الصحيح. والأساليب التي تعتمد على الترغيب والترهيب لمعالجة التراجع الديمقراطي، مثل حجب أموال الاتحاد الأوروبي، تم استخدامها فقط بشكل عشوائي. وحتى الآن، فشلت هذه الأساليب في منع أوربان من التصرف بطريقة معرقلة أو وقف التراجع الديمقراطي في المجر.
والتحدي الذي تمثله المجر اليوم ثلاثي الاتجاهات؛ ما بين إساءة استخدام أوربان للرئاسة الدورية، والتراجع الديمقراطي في البلاد، وعراقيل أوربان بشكل عام (بما أن المجر أيضاً عضو في الناتو). ويجب النظر إلى هذه القضايا بوصفها جزءاً من تحد منهجي واحد، وليس على أنها مشاكل جزئية منفصلة. ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى اتجاه منهجي وطويل الأمد لمعالجة ذلك.
من الناحية النظرية، توفر معاهدات الاتحاد الأوروبي الأدوات اللازمة لمواجهة هذه التحديات. ومع ذلك، لم يتم استخدامها إلا جزئياً، مع تأثير محدود أو معدوم. وعلى المدى القصير، ولمواجهة التحدي الأول، وهو إساءة استخدام أوربان للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، دفع البعض بضرورة حرمان المجر من الرئاسة تماماً، وضرورة تمديد رئاسة بولندا (المقرر توليها المسؤولية في المرة المقبلة). ولكن من غير المرجح أن ترغب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وربما عن طريق الخطأ في استخدام رأسمالها السياسي في هذا الصدد.
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تستمر رئاسة المجر مع الكثير من المفاجآت التي يمكن أن تقوض الاتحاد الأوروبي بشكل خطير. ويجب أن تدخل مؤسساتها في وضع السيطرة على الأضرار، لكن هذا يتطلب قيادة واضحة تزداد صعوبة مع إجراء الترشيحات وجلسات الاستماع للوظائف العليا خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ولمعالجة تحدي التراجع الديمقراطي في المجر، يبقى حجب الأموال ربما الوسيلة الأكثر فاعلية التي تملكها المفوضية الأوروبية للتعامل مع شخص واقعي مثل أوربان، حتى وإن كان له تأثير محدود في الماضي.
ولكن بدلاً من حجب الأموال بشكل عشوائي، ينبغي على المفوضية الأوروبية أن تبذل جهداً منسقاً وطويل الأمد ومخططاً. يجب أن يكون هذا مرتبطاً بالميزانية السنوية للاتحاد الأوروبي، والجولة المقبلة من الإطار المالي متعدد السنوات، والتي ستبدأ المفاوضات رفيعة المستوى بشأنها هذا العام. ويجب أن يركز الجهد بشكل خاص على حرية الإعلام والحريات المدنية وتعزيز قضاء مستقل.
وتقول فان ريج إن المادة الـ7 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، التي يمكن بموجبها سحب حقوق التصويت لدولة عضو في مجلس الاتحاد الأوروبي، موجودة لمعالجة التحدي الثالث المتمثل في سلوك أوربان وأفعاله المعرقلة. ومع ذلك، فإن المحاولات السابقة لاستخدام المادة الـ7 قد أبرزت ضعفها.
وفي السابق، حاولت بلجيكا، الدولة التي كانت تحمل رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية السابقة، تفعيل المادة الـ7 ضد المجر للمرة الثانية خلال فترة رئاسة الأخيرة. كما قامت المفوضية الأوروبية سابقاً بإطلاق إجراءات المادة الـ7 ضد بولندا في ظل الحكومة السابقة. ولم تنجح أي من هذه المحاولات في نهاية المطاف.
وقد أدى الافتقار إلى الإرادة السياسية من قبل المفوضية والدول الأعضاء إلى سوء تطبيق الأدوات والآليات المتاحة، مما أدى إلى تأثيرها المحدود.
ورغم أن إجراءات المادة الـ7 لا تزال غير مرجحة، ربما يتعين على المفوضية الأوروبية أن تنظر في ربط تلقي أي أموال من الاتحاد الأوروبي بالالتزام بمبادئ الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الديمقراطية. والمجر هي ثالث أكبر متبرع صاف للاتحاد الأوروبي ولا يزال الدعم العام في المجر لعضوية الاتحاد الأوروبي مرتفعاً.
وبوسع المفوضية أن تستخدم بشكل أفضل النفوذ المالي الذي تتمتع به على المجر، من خلال وضع معايير وعتبات واضحة بشأن الشكل الذي تبدو عليه الدولة العضو البناءة في الاتحاد الأوروبي، والسلوكيات التي لن يتم التسامح معها.
وتختم فان ريج بأن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى نهج طويل الأجل؛ لردع وتصحيح السلوكيات من قبل الدول الأعضاء التي تقوض المشروع الأوروبي.