يتوجه كثير من المبعوثين والسفراء الأوروبيين، الأسبوع المقبل، إلى ميلووكي في ولاية ويسكنسن، لحضور المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، حيث يستعد الرئيس السابق دونالد ترمب للحصول على بطاقة الترشيح الرسمية في انتخابات الرئاسة.
ورغم أن دعوة سفراء الدول عادة ما تكون تقليدية في هذا النوع من المناسبات، فإن الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر هذا العام تكتسب أهمية استثنائية، خصوصاً أنه يأتي مباشرة بعد قمة غير عادية لحلف الناتو، طغى عليها «شبح» ترمب، الحاضر الغائب. وتحدث البعض عن قمة «غير رسمية» عقدها حلف الناتو مع ترمب، عبر ممثلين ومندوبين رسميين وغير رسميين عن الرئيس السابق في واشنطن، تُوجت بقيام رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، فور انتهاء أعمال القمة الرسمية، بالسفر مباشرة إلى مارالاغو في فلوريدا، للاجتماع بـ«صديقه» ترمب.
مباعث القلق لم تبدد
نقل كثير من وسائل الإعلام الأميركية عن مقربين من الرئيس السابق، قولهم، إنهم أبلغوا حلفاء الناتو أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، من احتمال عودته إلى البيت الأبيض في حال فوزه في نوفمبر (تشرين الثاني). لكن رسائل التطمين هذه لم تُزل مباعث القلق.
وبحسب كثير من التقارير، فقد كان لافتاً الحضور المكثف لعدد كبير من أعضاء الدائرة الداخلية لترمب، الذين واكبوا أعمال قمة الناتو، وكانوا منفتحين على الاجتماع بممثلين عن دوله، لشرح ما يفكر به بالنسبة لمستقبل الحلف. والتقى كثير منهم بالسفير الأميركي السابق لدى ألمانيا، ريتشارد غرينيل، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه قد يتولى منصب وزير الخارجية في إدارة ترمب المقبلة. كما عقدوا اجتماعات مع كبار مستشاري الأمن القومي السابقين، بما في ذلك الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ وجون بولتون، لمناقشة مسائل الأمن الأوروبي.
ونقل عن دبلوماسي أوروبي كبير قوله إن «الجميع يستمر في سؤالنا عما إذا كنا نجتمع مع أشخاص قريبين من ترمب. الجواب هو: بالطبع نحن نقوم بذلك، لقد كنا نفعل ذلك لسنوات، وهذا الأسبوع كان وجودنا القريب مفيداً جداً».
وقال مسؤول سابق في إدارة ترمب، يشارك بشكل غير رسمي في الحملة، إنه على الرغم من أنه كان يجتمع مع الأوروبيين لمناقشة سياسات الرئيس السابق الخارجية لسنوات، «فإن اللقاءات كانت أكثر كثافة على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، والاهتمام كان كبيراً بما قد يكون عليه تفكيره بشأن حلف شمال الأطلسي».
تهديدات ترمب حقيقية أم مبالغ فيها
بحسب أوساط أوروبية، فإن سؤالين رئيسيين كانا يدوران على ألسنة القلقين منهم؛ هل المخاوف من عودة ترمب إلى البيت الأبيض حقيقية أم مبالغ فيها؟ وهل تعهد غالبية دول الناتو بالشرط الذي وضعه ترمب، لدفع حصتها من الإنفاق الدفاعي، واستعدادها لتحمل المسؤوليات الدفاعية تدريجياً، وتعهداتها السنوية بدعم أوكرانيا، ستؤدي إلى سحب تهديداته للناتو؟
يقول جون هاردي، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المحسوب على الجمهوريين، إن كثيراً من حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي يشعرون بالقلق بالفعل بشأن التزام الولايات المتحدة في المستقبل بالدفاع الجماعي. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن هذه المخاوف مشروعة، على الرغم من أنني أتوقع أن تظل الولايات المتحدة في نهاية المطاف ملتزمة بحلف شمال الأطلسي. وشدّد على أنه من الأفضل للساسة والناخبين الأميركيين أن يتذكروا أن أكثر من ثلثي حلفائنا في الناتو قد أوفوا بالفعل بتعهداتهم بإنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وقدّم أصدقاؤنا الأوروبيون لأوكرانيا مساعدات أكبر مما قدّمته الولايات المتحدة.
حتى الآن، لم يتراجع ترمب عن تهديداته بأنه قد يسمح لروسيا بأن تفعل «ما تشاء» بدول الناتو التي لا تلتزم بالإنفاق، وادّعى، دون تقديم خطة، أنه يستطيع إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا في غضون أسابيع من إعادة انتخابه. لكنّ أموراً كثيرة عن السياسات التي سيطبّقها فور عودته إلى البيت الأبيض لا تزال غامضة.
صدقوا تهديدات ترمب
نقلت مجلة «بوليتيكو» عن جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترمب، قوله إنه أجرى كثيراً من المحادثات مع حلفاء وشركاء الناتو هذا الأسبوع. ورغم أنه لم يعد ضمن الدائرة الداخلية لترمب بعد أن قال إنه غير لائق للمنصب، فقد أبلغ بولتون مستمعيه أنه من المرجح أن يسحب ترمب الولايات المتحدة من قيادة التحالف، وهي خطوة كاد يرى ترمب يقوم بها خلال اجتماع الناتو عام 2018. وقال إن ردّ فعل الحلفاء هو عدم التصديق، «لكن لو كنت أتسبب بكلامي هذا في إثارة المخاوف والكآبة، يجب عليهم أن يصدقوا ذلك».
بيد أن المتحدثة باسم حملة ترمب، كارولين ليفيت، قالت إنه «عندما يعود الرئيس ترمب إلى المكتب البيضاوي، فإنه سيستعيد السلام ويعيد بناء القوة الأميركية والردع على المسرح العالمي».
يقول الأوروبيون، الذين التقوا بممثلي ترمب، إن الرسالة العامة التي سمعوها حتى الآن، هي نعم، يجب على الدول أن تنفق مزيداً على دفاعها، لكن ترمب سيدعم التحالف ومعركة أوكرانيا ضد روسيا، حتى مع الأخبار التي تفيد بأن ترمب يفكر في تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوروبا. وقال مسؤول أوروبي كبير التقى بمسؤولين سابقين في إدارة ترمب: «لن يكون الأمر بهذا السوء. سيكون ترمب أكثر تركيزاً على الانتقام من خصومه السياسيين في الناتو، لكن الحلف سيبقى».
زيارة أوربان لترمب
عدّت زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى ترمب جزءاً من قواعد اللعبة الاستبدادية لأوربان، التي قد يستخدمها ترمب في تعامله مع الحلفاء المعارضين له. وكتبت صحيفة «الغارديان» أن أوربان «أفسد» بالفعل اجتماع الناتو، وتجنب اللقاء بالرئيس جو بايدن، و«أثار غضب الحلفاء» من خلال ترتيب اجتماعات قبل القمة مع فلاديمير بوتين وشي جينبينغ، كجزء مما عدّه «مهمة السلام». وأضافت أن الاجتماع مع ترمب يبدو أنه جزء من جهد واضح يبذله أوربان للتفاوض على اتفاق سلام في أوكرانيا، دون مساهمة دول الاتحاد الأوروبي أو إدارة بايدن. وقال وزير الخارجية المجري إن عودة ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض يمكن أن توفر «فرصة للسلام» في كييف.