الصعود الذي حققته الأحزاب اليمينية في انتخابات البرلمان الأوروبي مطالع يونيو الماضي، تكرّس أيضاً هذا الأسبوع في تشكيلة المفوضية الأوروبية الجديدة. وتعدّ هي المفوضية الثانية برئاسة الألمانية المحافظة أورسولا فون دير لاين، الأكثر جنوحاً نحو اليمين منذ تأسيس الاتحاد، وتضمّ غالبية ساحقة من المفوضين الذين ينتمون إلى الحزب الشعبي الأوروبي، فضلاً عن منصب وازن لحزب «إخوان إيطاليا» الذي تتزعمه رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.
ورغم تولّي نائبة رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكية تيريزا ريبيرا منصب النائب التنفيذي الأول لرئيسة المفوضية، مع صلاحيات واسعة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، يستأثر المفوضون الذين يمثلون الأحزاب اليمينية بجميع الحقائب الحساسة الأخرى التي تدير ملفات الهجرة والبيئة، والعلاقات مع دول الجوار، والسوق الداخلية، والأمن، والصحة، والتنمية الصناعية، وتوسعة الاتحاد والتعاون الدولي، علماً بأن منصب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية ستتولاه رئيسة وزراء إستونيا السابقة كايا كالّاس المعروفة بمواقفها اليمينية المتشددة، خاصة في دعم أوكرانيا ومناهضة روسيا.
تحذير الكتلة التقدمية
تضمّ المفوضية الجديدة التي ترأسها فون دير لاين، بعد تثبيت تعيينها في البرلمان الأوروبي بفضل دعم أحزاب الخضر، 15 مفوضاً من الحزب الشعبي الذي ينتمي إليه حزبها الديمقراطي المسيحي الألماني، و5 ليبراليين، و4 اشتراكيين، واثنين من أحزاب اليمين المتطرف ومستقل واحد من سلوفاكيا على لائحة حزب رئيس الوزراء المعروف بتعاطفه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبعد الإعلان عن التشكيلة الجديدة للمفوضية، وجّهت الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي تحذيراً إلى فون دير لاين من أنها ستصطدم بمعارضة شديدة في حال جنوح دفة قيادة المفوضية نحو اليمين عندما يطلب أعضاء المفوضية ثقة اللجان البرلمانية التي تشرف على مراقبة حقائبهم لتثبيتهم في مناصبهم.
وبعد أن كان الاشتراكيون قد أعربوا عن رفضهم تكليف إحدى الحقائب الوازنة لمفوض من اليمين المتطرف، سجلوا تحفظات شديدة على اختيار رافايلّي فيتو من حزب «إخوان إيطاليا» لمنصب نائب رئيسة المفوضية المكلف بسياسة الإصلاح والإشراف على التمويل الإقليمي. وصرحت رئيسة الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي، إيراتشي غارسيا بأن «ثمة مشكلة في هذا التعيين»، فيما أعلن الناطقون باسم الخضر والليبراليين والاشتراكيين الاجتماعيين أنهم لن يمنحوه الثقة في اللجان البرلمانية.
وقالت غارسيا، في مؤتمر صحافي، الجمعة، تعليقاً على التشكيلة الجديدة للمفوضية: «إن تجاهل التوازنات والمفاوضات التي أسفرت عن تجديد ولاية رئيسة المفوضية، ونسف صيغة المساواة بين الأجناس في التشكيلة الجديدة، وتكليف حقيبة العمل لمفوض له تاريخ حافل ضد الحقوق الاجتماعية، وزجّ أحد رموز اليمين المتطرف في غرفة القيادة، هي الوصفة الأكيدة لفقدان دعم الكتلة التقدمية».
وكانت فون دير لاين قد طلبت من الدول الأعضاء ترشيح اسمين، ذكر وأنثى، لكي يتسنى لها الاختيار والمعادلة بين الرجال والنساء، لكن لم تتجاوب مع طلبها سوى الدول الصغيرة، فيما تجاهلته معظم الدول الكبرى، بحيث تتولى النساء 10 حقائب من أصل 27.
ولاية صعبة
وتتوقع الأوساط الأوروبية ولاية صعبة لفون دير لاين في مرحلة مفصلية حافلة بالتحديات، من الحرب في أوكرانيا، إلى أزمة المناخ وتراجع القدرات التنافسية لمعظم الدول الأعضاء مقارنة بالصين والولايات المتحدة، في خضم الاضطرابات الجيوسياسية التي يمر بها العالم.
وخلال تقديمها التشكيلة الجديدة للمفوضية في ستراسبورغ، هذا الأسبوع، قالت فون دير لاين: «إن الرفاه والأمن والديمقراطية هي الأولويات الرئيسية لحكومة الاتحاد الجديدة»، وشددت على التزامها رفع مستوى القدرة التنافسية التي تُشكّل إحدى نقاط الضعف الأساسية في الاتحاد منذ سنوات، كما أكّد التقرير الذي أعدّه مؤخراً الحاكم السابق للمصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي، والذي أكدت فون دير لاين أنها ستعتمده خريطة طريق لولايتها الثانية. وقالت: «سنعمل لتعزيز سيادتنا التكنولوجية، والأمن والديمقراطية، وبناء اقتصاد يتمتع بقدرة تنافسية عالية، وتصميم استراتيجية صناعية طموحة تقوم على الابتكار والاستثمار».
ومن مستجدات المفوضية الجديدة حقيبة للإسكان، يتولاها الاشتراكي الدنماركي دان يورغنسن إلى جانب الطاقة، وحقيبة للعلاقات مع دول المتوسط تشرف عليها الكرواتية المحافظة دوبرافكا سويكا، ومن صلاحياتها أيضاً الهجرة وإبرام الاتفاقات مع بلدان الجنوب لوقف تدفقات المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد، إضافة إلى أول حقيبة للدفاع والفضاء يتولاها الليتواني المحافظ أندريوس كوبيليوس.
المصدر/ الشرق الأوسط