
لأول مرة منذ تنصيب دونالد ترمب رئيساً، يوم 20 يناير (كانون الثاني)، يلتقي القادة الأوروبيون الـ27 في بروكسل، الاثنين، بناء على دعوة من رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، لمناقشة 3 ملفات رئيسية، في اجتماع مفتوح وغير رسمي، يستضيفون خلاله رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وأمين عام الحلف الأطلسي، مارك روته.
وحرصت المصادر الرئاسية الفرنسية، في تقديمها للقاء، على الإشارة إلى أن المناقشات ستمتدّ ليوم كامل، بما في ذلك أثناء الغداء الذي يشارك فيه روته والعشاء بحضور ستارمر، وأنها ستكون حرة ومفتوحة، ولن يصدر عن المجتمعين أي بيان أو خلاصات أو قرارات.
ويأتي لقاء القمة في لحظة استثنائية بالنسبة للأوروبيين حيث تتكاثر التحديات التي تواجههم، وكلها مرتبط بعودة ترمب إلى البيت الأبيض. وما يبحثون عنه، وفق المصادر المشار إليها، توحيد كلمتهم ورسم خريطة طريق للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، وتأطير العلاقة معها في ملفات رئيسية، منها الحرب في أوكرانيا؛ حيث تلوح في الأفق احتمالية انطلاق محادثات سلام لا يريد الأوروبيون أن تتم «من فوق رؤوس» الأوكرانيين والأوروبيين.

كذلك، يتعين عليهم أن يتدارسوا شكل النهج الجماعي الذي سيلتزمون به للرد على تهديدات ترمب بفرض رسوم باهظة على صادراتهم إلى الولايات المتحدة. وكان الأخير قد أجاب قبل يومين على سؤال لصحافي حول ما إذا كان سيفرض عقوبات على الأوروبيين بقوله: «بالتأكيد».
فضلاً عن ذلك، يطرح ترمب بوجههم تحدياً آخر لا يقل صعوبة، عنوانه رغبته في السيطرة على جزيرة غرينلاند الواقعة في القطب الشمالي العائدة للدنمارك، التي يعتبرها استراتيجية وضرورية لأمن الولايات المتحدة والقطب الشمالي. والتساؤل الكبير يتناول طبيعة الرد الأوروبي إذا سعى ترمب، حقيقة لبلوغ هدفه، رغم رفض كوبنهاغن وسكان غرينلاند.
ثم إن الملف الآخر الكبير يتناول كيفية العمل على تعزيز الدفاع الأوروبي وقاعدته الصناعية ومصادر تمويله، علماً بأن الطرف الأميركي يطالب الأوروبيين بإلحاح بمضاعفة نفقاتهم الدفاعية لتبلغ نسبتها 5 في المائة من ناتجهم الداخلي الخام، فيما ما ينفقونه حالياً، باستثناء دول قليلة، مثل بولندا ودول شمال أوروبا، يدور حول 2 في المائة.
القاعدة الصناعية الدفاعية
تقول المصادر الفرنسية إن باريس ترى في اللقاء فرصة للأوروبيين «لتسريع أجندتهم» لجهة «تأطير العلاقة مع الجانب الأميركي والنظر في العناصر التي تقوم عليها العلاقة عبر الحلف الأطلسي». ومن جانب آخر، تُعدّ «فرصة للنظر في المسائل التي تهم الاتحاد الأوروبي نفسه كسيادته، وأمنه، وملفه التنافسي»، باعتبار أن اللحظة المتاحة يتعين استغلالها من أجل «توثيق التماسك والوحدة الأوروبيتين حول قضايا الساعة» المطروحة بقوة وأبعد منها.
وسيحتل الملف الدفاعي مرتبة رئيسية، الاثنين؛ إذ إن هناك عدة استحقاقات مقبلة يتعين على القادة الأوروبيين أن يمهدوا الطريق للتعامل معها، وعلى رأسها «الكتاب الأبيض» المستقبلي للدفاع الأوروبي المفترض أن تعرضه المفوضية الأوروبية في الربيع المقبل.

وما يشغل النادي الأوروبي بشكل خاص إضافة إلى الخطوط الكبرى التي تتناول المسائل الاستراتيجية وكيفية التعامل مع التوترات والقوى الصديقة وغير الصديقة في عالم متغير: «تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية الخاصة، وتحديد الثغرات التي تعاني منها، وسدّها من خلال العمل الأوروبي المشترك والاتفاق على المشاريع الرئيسية (للسير بها)، وصولاً إلى تحديد خيارات التمويل المتاحة»، ومنها التمويل الخاص، وتعبئة بنك الاستثمار الأوروبي، والميزانية الأوروبية والخيارات الأخرى.
وتشدد باريس على أهمية تحقيق ما تُسمّيه «القيمة المضافة» لهذه المشاريع، التي ستساعد الاتحاد الأوروبي «لتسريع جدول أعماله من أجل السيادة والقدرة التنافسية والأمن والدفاع». وتقول مصادر فرنسية إن ما يريده الأوروبيون بشكل عام من خلال تقوية القاعدة الصناعية الدفاعية، هو تحديداً «تقليص، لا بل التخلص من التبعية» للصناعات العسكرية الأميركية. لكن المعضلة بالنسبة إليهم أن هناك أطرافاً تُفضّل الاعتماد على المشتريات الدفاعية من خارج دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما لجأت إليه مجموعة من الدول، وعلى رأسها ألمانيا، لبناء درع دفاعي جماعي يقوم على شراء جانب من مكوناته من الولايات المتحدة (نظام باتريوت) وإسرائيل (نظام آرو 3)، فيما لم تستفد الصناعات الدفاعية في فرنسا وإيطاليا منه»، علماً بأن باريس وروما طورتا معاً مكونات يمكن استخدامها في المشروع المذكور.
ثغرات دفاعية
ودفعت الحرب الأوكرانية الأوروبيين الساعين لتوفير السلاح لكييف إلى فتح باب شراء الأسلحة من التمويل الأوروبي؛ حيث تُوجَد داخل الاتحاد أو خارجه. أما اليوم، فإن هدفهم أن يذهب التمويل الأوروبي للصناعات الأوروبية، شرط «سدّ الثغرات» الدفاعية التي يعانون منها، وهي كثيرة.
وأوردت مصادر الإليزيه بعضاً من هذه الثغرات، وهي كالتالي: قطاع الفضاء، الدفاع الجوي الأوروبي المندمج، تحديات الحركة العسكرية وعلى رأسها النقل الجوي، وسائل استهداف العمق، المسيرات ومضاداتها، تحديات الصناعات الصاروخية، وأخيراً الذكاء الاصطناعي.

وما ينقص الأوروبيين أيضاً سدّ الثغرات التي يعانون منها في صناعاتهم مقابل تجنّب الازدواجية في الإنتاج بين دول وشركات النادي الأوروبي. كذلك، سيكون على الأوروبيين أن يعمدوا إلى توحيد المعايير والتشغيل البيني، وما من شأنه توفير القيمة المضافة التي يبحثون عنها ما يعني، عملياً، «وضع الأموال الأوروبية حيث تساعد على سد ثغرات في القدرات المشتركة». وبكلام آخر، فإن القيمة المضافة الأوروبية، وفق باريس، هي «أن تكون لدينا أدوات (الإنتاج) الأوروبية التي تمكن من الإنتاج والاستحواذ المشترك لمجموع الدول الأوروبية».
يتضح مما سبق أن التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، ورغم العمل الذي يقومون به على الأصعدة الدفاعية منذ سنوات طويلة، ما زال الاتحاد قاصراً. ومع عودة ترمب إلى البيت الأبيض وتلميحاته وتهديداته، ليس فقط بالنسبة للتجارة البينية، بل بالنسبة لبقاء الولايات المتحدة في الحلف الأطلسي، ثمة مَن يشعر بالارتباك والخوف من احتمال حصول أمر كهذا. ولكن بالمقابل، ثمة من يرى فيها فرصة لتتحمل أوروبا، أخيراً، شؤونها بنفسها، وتتخلى عن التبعية للشريك الأميركي. فهل سيتوصل الأوروبيون إلى رؤية مشتركة للتعاطي مع واشنطن؟