كتب ودراسات

أورسولا، أنغيلا وكريستين ..ثلاث نساء “قديرات” لإنقاذ أوروبا من حالة التفكّك والضياع

في أيار/مايو اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خطة نهوض اقتصادية في أوروبا بقيمة 500 مليار يورو لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا الجديد الذي تسبب بانكماش غير مسبوق في القارة.

خطة إنعاش بقيمة 750 مليار يورو من أجل أوروبا

ومن هذا المنطلق ولتحفيز النشاط الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثراً بأزمة كوفيد-19، اقترحت المفوضية الأوروبية خطة إنعاش بقيمة 750 مليار يورو تتضمن 500 مليار يورو في شكل منح للدول الأكثر تضرراً من جراء وباء كوفيد 19 أي على شكل إعانات، لن يفرض استردادها، و250 مليار يورو توزع على شكل قروض للدول الأعضاء.

ثلاث نساء وراء خطّة التحفيز الأوروبية

لكن وراء خطة التحفيز الأوروبية هذه لعبت ثلاث نساء دورا حاسما من أجل ترجمتها على أرض الواقع هن: المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد.

نموذج رواية “ثلاث نساء قديرات”

قصص النجاح تلك تشبه في بنيتها السردية ما تضمنته رواية الكاتبة الفرنسيّة ماري ندياي: “ثلاث نساء قديرات” التي نالت عليها جائزة غونكور للرواية في 2009 التي تضم ثلاث قصص لنساء فرضن وجودهن في المجتمع ويسيطرن على مصيرهن بذكاء وقوة.

عبر هذا الخيط الرابط تتجلى شخصيات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد.

“لا” للركود الاقتصادي و”نعم” لأوروبا

فثلاثتهنّ تركن بصماتهن ظاهرة في تاريخ أوروبا الحديث بعد استشراء وباء كورونا بشكل خاص حيث لا تزلا تمرّ أوروبا بلحظات عصيبة بعد أن داهمها الوباء. قالت ثلاثتهنّ “لا” للركود الاقتصادي و”نعم لأوروبا “. فبعد أن كبح الفيروس التاجي اقتصادات دول أوروبا وشلّها بالكامل قررت أورسولا و أنغيلا

وكريستين إحداث قفزة نوعية إلى الأمام من أجل وحدة أوروبا ..ومن أجل استمرراية المشروع الأوروبي.. بل ومن أجل توحيد الصفوف لمواجهة الوباء القاتل عبر أنحاء أوروبا قاطبة.

نساء في الظل لمواجهة كورونا

أما فرنسا التي جاءها الوباء على حين غرّة، وداهمها في عقر دارها فقد عجزت عن المواجهة لوحدها..

هزّ كوفيد-19 اقتصادا فرنسا وزلزل حركة تجارتها إن على المستوى الداخلي أوعلى الصعيد الخارجي..بل فعل أكثرمن ذلك كلّه، أحدث إرباكا اعتبره بعضهم سابقة في تعاطي الحكومة ورئيس دولتها مع الداء الذي استشرى بين مختلف فئات المجتمع.. ففشلت الهيئات الطبية والمراكز الصحيّة في التعامل مع المعضلة.. التي أحدثت أزمة فعلية داخل البلاد التي لم تكن مستعدة للتعامل مع الأزمة الصحيّة المفاجئة.

نساء وراء تمديد الإغلاق الشامل

وفي خضم هذه الأحداث كانت توقعات الركود الاقتصادي عالية جدا، فجاءت تقارير صندوق النقد الدولي لتصبّ الزيت على النّار بعد أن أعلن في بداية استشراء الفيروس وبالتحديد في أبريل/نيسان أن الاقتصاد الفرنسي سيتراجع بنسبة 7,2 بالمئة بدلا من التحسّن بـ1,3 بالمئة. لكن وزير المالية الفرنسي برونو لو مير توقّع حينها انكماشا أسوأ نسبته ثمانية بالمئة مع إعلان بلاده تمديد الإغلاق الشامل.

ففرنسا نفسها كانت تعاني من مشاكل اقتصادية قاهرة طالت قطاع السياحة والطيران كما أن الديون والبطالة عرفت ارتفاعا معتبرا حتى قبل وصول الفيروس . ويضاف إلى ذلك جميعه المشاكل التي كانت تمرّ بها المستشفيات في البلاد حيث خرجت احتجاجات عارمة نهاية العام الماضي يندّد عبرها المتظاهرون من الأطباء والفرق الطبية المختلفة بقلّة الوسائل التي تسمح بممارسة عملهم وتجنب كوارث طبية سببها -بنظرهم- ندرة الوسائل والإمكانات.

باريس..نقطة الربط ما بين دول الجنوب والشمال

باريس التي كان ينظر إليها بعضهم على أنها القلب النابض للاتحاد الأوروبي ونقطة الربط ما بين دول الجنوب والشمال وجدت نفسها مثقلة بالمشاكل بعد ان أنهكها الوباء وشلّ حركيتها الاقتصادية.. ففرنسا أضحت بعد ذلك اليوم في حالة انهيار اقتصادي أما نفوذها فقد عرف تهلهلا وتراجعا.

ألمانيا تسترد قوتها المحورية عبر ميركل؟

أما ألمانيا وبحكم الأمر الواقع هي التي باتت تحتل موقعًا مركزيًا ،بسبب علاقتها القوية التي تربطها بدول “الرابطة الهانزية” وهي الرابطة التي تضم العديد من المدن التجارية في منطقة بحر الشمال (شمال ألمانيا) والبلطيق وبالهولنديين والدول الاسكندنافية ، المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا وبشكل خاص في ما يتعلق بتنظيم ميزانية الاتحاد الأوروبي وتحديد مجالات صرف الأموال بشكل عام.

أورسولا فون دير لين.. تحريك القطار الأوروبي بالمال

رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين من جنسية ألمانية تحددت ملامح وظيفتها في أن تلعب دورا أساسيًا لتحريك القطار الأوروبي وتمضي بأوروبا قدما نحو الأمام .. لكن اوروسولا تحتاج أيضا إلى أنغيلا لبسط رؤيتها ومساعدتها في توحيد أصوات أوروبا لمجابهة استشراء الوباء.. وفضلا عن ذلك كلّه فإن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هي الوحيدة القادرة على أن تجمع بين الرؤى والمواقف حين يتعلق الأمر بمسألة تخصّ دول الشمال أو الجنوب الأوربية، حيث إنها القادرة ايضا على أن تمنح المصداقية الكاملة لتمرير أي خطط إنعاش اقتصادي أو أي تحفيزات مالية تدخل في هذا المضمار.

أنغيلا ميركل وخطة التعافي الاقتصادية الطموحة

قررت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن تلعب هذا الدور بالكامل. فأمسكت بيد صاحب اليد الممدودة إيمانويل ماكرون الذي دعا برفقة وزير المالية الفرنسي، برونو لوميرمن أجل إرساء معالم خطة تعاف اقتصادية طموحة. فلقد كان من مصلحة بلاده فعلا أن يكون اقتصادها قويا ومتينا ومتكيفا مع تطورات الأوضاع الطارئة، فبدون السوق الأوروبية وبدون اليورو ستكون الصناعة الفرنسية أكثر ضعفا .

كريستين لاغارد.. المرأة التي تصغي إليها دوائر القرار الأوروبية

من الجانب الآخر لعبت امرأة أخرى دورا معتبرا في مواجهة الأخطار الداهمة التي تواجه أوروبا على الصعيدين الاقتصادي والتجاري..كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي حاليا .. تلقت هذه المرأة دعما كبيرا من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وإيمانويل ماكرون حين ترشحت لرئاسة البنك المركزي الأوروبي..فهي تحظى أيضا بثقة الرئيس والمستشارة.. وتعتبر المرأة التي ينصت إليها بإصغاء جدا حين تتحدث إليهما عن التحديات الاقتصادية والسبل الكفيلة لمواجهتها في أوروبا.

كريستين لاغارد مدافعة شرسة من أجل ضمان تماسك منطقة اليورو

فالبنك المركزي قام حتى اليوم بكل ما هو ضروي لضمان تماسك منطقة اليورو ومنح دول أوروبا – في الجنوب على وجه الخصوص – الوسائل الناجعة لمواجهة الأزمة الصحيّة وتم ذلك عبر تقديم دعم للموظفين والشركات وبالطبع الهيئات الصحية . وهي الآن بحاجة إلى أن تسلّم الدفّة لتولى الدول واالمفوضية الأوروبية زمام المبادرة وتنفيذ آلياتها.

الثلاثي وتعبيد الطريق نحو مستقبل أفضل لأوروبا التي أنهكها الوباء

النساء الثلاثة يدفعن بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل المضي صوب هذا الاتجاه.. حقّق الثلاثي النسائي قفزة تاريخية إلى الأمام من أجل الصالح العام لأوروبا وتعبيد الطريق نحو مستقبل أفضل لأوروبا التي أنهكها الوباء ..سوف تضخ المفوضية الأوروبية 500 مليار يورو لمساعدة المناطق الأكثر تضررا بسبب أزمة كورونا فضلا عن القطاعات الأكثر تعثّرا بسبب الوباء. ما بقي اليوم هو أن تقتنع الدول والحكومات الأوروبية بجدوى الخطط التي أعدّتها ألمانيا والمفوضية والمركزي الأوروبي لمواجهة الأزمة الصحية، فنجاح أوروبا لأن تحرز تقدما على مختلف الأصعدة مرتبط أساسا بالمشاريع التي تم التخطيط لها أو إنجازها في ظل اشتداد الأزمات.. فالأزمة تلد الهمّة.

إغلاق