قبل أن يتمكن السرطان من جون ماكين، ويخسر هذا الطيار البحري الأمريكي والسياسي المعروف المعركة بوفاته في 25 أغسطس 2018، نجح 5 مرات في الإفلات من موت محقق.
في مسيرته العسكرية كطيار في سلاح البحرية عرف ماكين بتهوره وعدم انضباطه. وعلى الرغم من انتشار قصة وقوعه في الأسر خلال الحرب الفيتنامية ومكوثه فيما يوصف للسخرية بـ”فندق هانوي” خمس سنوات، إلا أن حوادث أخرى بملابسات مثيرة لا يعرفها الكثيرون، مر بها ماكين وكادت أن تضع حدا لحياته وهو في الخدمة العسكرية.
الحادثة الأولى صادفته في بداية عمله طيارا في البحرية الأمريكية، وجرت في 12 مارس عام 1960، وكان حينها يبلغ من العمر 23 عاما.
كان ماكين في ذلك الوقت المبكر من مشواره العسكري برتبة ملازم، ويقود طائرة من طراز “أد – 6 سكاي رايدر”، وكان في مهمة تدريب على الهبوط فوق خليج “كوربوس كريستي” بولاية تكساس.
فقدت طائرته ذات المحرك الواحد مئات الأمتار من ارتفاعها “دون أن يدرك ذلك”، وتحطمت بعد اصطدامها بمياه الخليج وغرقت في القاع، إلا أن ماكين نجا وتمكن من السباحة إلى السطح وتم انتشاله بواسطة مروحية إنقاذ.
ادعى جون ماكين في سيرته الذاتية أن المحرك توقف فيما كان يتدرب على الهبوط، لكن مجلس تحقيق البحرية رأى الأمر بشكل مختلف تماما، وتوصل إلى أن “انشغال الطيار في قمرة القيادة إلى جانب استخدام إعداد طاقة منخفض جدا للحفاظ على مستوى الطيران في منعطف كانت الأسباب الرئيسة لهذا الحادث”.
الحادثة الثانية جرت في العام التالي في ديسمبر عام 1961، وكان جون ماكين يقود نفس الطراز “سكاي رادير”، وكان في مهمة تدريبية فوق جنوب إسبانيا.
في تلك المرة اصطدم باسلاك الكهرباء ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي المحلي، وعلى الرغم من إصابة طائرته تمكن من الهبوط بسلام. هذه الحادثة يؤرخها البعض بسخرية بالقول إنها حدثت حين “أطفأ ماكين الأضواء في إسبانيا”!
في سيرته الذاتية “إيمان آبائي”، يروي ماكين الحادثة عام 1999 بإيجاز، واصفا إياها بأنها كانت نتيجة “للتهريج المتهور” و”الطيران على ارتفاع منخفض للغاية”، ولم يوضح المزيد، فيما لم تعثر صحيفة “تايمز” على أي سجلات عسكرية بشأن الواقعة.
ماكين التقى بالموت في حادثة ثالثة وكان ذلك في 28 ديسمبر 1965، وكان وقتها في رحلة عودة من فلاديلفيا إلى أسرته في ميريديان، حاملا معه في الطائرة هدايا أعياد الميلاد.
فوق خليج تشيسابيك، تعطل محرك طائرته، واضطر إلى القفز بالمظلة. وصف كاتب السيرة الذاتية روبرت تيمبرج المشهد بالقول: “اشتعلت النيران ومن ارتفاع ألف قدم شغل كرسي الإنقاذ، وهبط بالمظلة على شاطئ مهجور قبل لحظات من اصطدام الطائرة بمجموعة من الأشجار. البحرية صنفت الحادثة على أنها خروج روتيني من الطائرة”.
تحقيق البحرية الأمريكية لم يتوصل على أي نتيجة، ولم يستطع تأكيد رواية قائد الطائرة، واكتفى بالقول إن الطائرة تحطمت بسبب “مكون غير محدد في المحرك”. نجا ماكين مرة أخرى من الموت إلا أن هدايا أعياد الميلاد احترقت!
الواقعة الرابعة التي كادت أن تضع حدا لحياته، حصلت ولم يكن ماكين في الجو ولم يكن وحيدا. الحادثة كانت الأكبر وهي توصف بأنها أحد أسوأ الحوادث في تاريخ البحرية الأمريكية، وأسفرت عن مقتل 134 من طياري وطواقم حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس فورستال”، فيما كانت في 29 يوليو عام 1967 تستعد قبالة سواحل فيتنام لتوجيه ضربات جوية لمواقع في فيتنام الشمالية.
ماكين خرج من هذه الكارثة الكبرى بجروح ضفيفة، على الرغم من أنه كان جالسا في قمرة قيادة طائرته مباشرة بجانب الطائرة التي أصابها صاروخ غير موجه، قيل إنه انطلق لسبب مجهول من إحدى الطائرات وقتل على الفور طيارها وتسبب في حريق قضى على عدد كبير من الطائرات بعد أن انفجرت قنابل بعضها قديم للغاية، وتم الاستعانة بها لأن الأمريكيين استنفدوا جميع مخزوناتهم من القنابل الجديدة في تلك الحرب الوحشية.
الحادثة الخامسة كانت درسا قاسيا ظل يعاني من تبعاته إلى أن فارق الحياة، وحدث حين أغار في 26 أكتوبر 1967، مع تشكيل جوي يتكون من 20 طارئة حربية على محطة للطاقة بالقرب من هانوي، إلا أن صاروخا سوفيتيا من طراز “إس – 75″، دمر طائرته.
تمكن ماكين من النجاة بأعجوبة وهبط بالمظلة في بحيرة بوسط عاصمة فيتنام “هانوي”، وتعرض لإصابات خطيرة وكسرت ذراعاه وساقه. قبع ماكين في الأسر مدة خمس سنوات عاني خلالها كما يقول الكثير من المعاملة القاسية من قبل الفيتناميين الذين لم يستقبلوه بطبيعة الحال بالأحضان!
والد ماكين كان تولى في عام 1968 منصب القائد العام لأسطول المحيط الهادئ الأمريكي، وبالتالي كان قائدا للقوات البحرية الأمريكية في مسرح العمليات الفيتنامي، إلا أن ذلك ربما آخر في عملية إطلاق سراحه حتى لا يتهم الأدميرال بأنه ساوم الفيتناميين على حرية ابنه الأسير!
بعد خروجه من الأسر انتهى مشواره العسكري عمليا وبدأ مشواره السياسي، حيث انتخب في مجلس الشيوخ والنواب، وترشح لمنصب الرئاسة في عام 2008 عن الحزب الجمهوري في مواجهة الديمقراطي باراك أوباما وخسر أمامه، وفي عام 2018 خسر معركته مع مرض السرطان وكان قد ناهز الواحدة والثمانين من العمر.
بذلك انتهت حياة الرجل التي أطفأ أضواء إسبانيا، وسخر الكثير من زملائه من “مهارته” في قيادة الطائرات، وأطلق عليه قادته في سلاح البرية الأمريكية لكثرة الحوادث الجوية التي مرت به اسم “آيس ماكين”. الرجل الذي تحول إلى بطل قومي حين أسقطت طائرته في حرب فيتنام الظالمة.
المصدر: RT