أخبارأوروبا

إطلاق تحالف جديد من باريس لتعزيز قدرات أوكرانيا المدفعية

في المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء الثلاثاء الماضي، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على نقطتين رئيسيتين: الأولى أن روسيا تشكل التهديد الرئيسي لأوروبا التي عليها أن تبقى متحدة في الوقوف في وجهها، والأخرى أنه لا يتعين تمكين روسيا من الانتصار في الحرب التي تشنها على جارتها أوكرانيا منذ عامين.

وأعلن ماكرون أنه سيزور كييف الشهر القادم لتوقيع اتفاقية أمنية طويلة المدى، وأنه لن يصل خالي الوفاض، إذ سيمنح القوات الأوكرانية صواريخ «سكالب» بعيدة المدى وقذائف مدفعية ومعدات أخرى متنوعة.

بيد أن ما تقوم به فرنسا لصالح أوكرانيا لا يبدو مقنعاً لشركائها الغربيين، إذ بيَّن تقرير صادر عن «معهد كييل» الألماني، أن المساعدات الفرنسية الدفاعية لأوكرانيا لم تتجاوز، حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مبلغ 540 مليون يورو، ما يجعلها في المرتبة الثانية عشرة بين دول التحالف، فيما ترتع فرنسا في المرتبة الثالثة والعشرين لجهة ما تشكّله مساعداتها من الناتج المحلي العام.

وقال وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو، الخميس، إنه لا يوافق على الترتيبات التي جاء بها المعهد الألماني «لأنها غير موثوق بها وغير مرتكزة على معطيات جدية». وحجة الوزير الفرنسي أن «إحصائيات المعهد الألماني المتخصص تأخذ بالحسبان الوعود والإعلانات (ومنها ما لا ينفَّذ)، بينما فرنسا تنفّذ كامل ما تَعِد به وما تقدمه لأوكراينا من أسلحة صالح للاستخدام». وتبرز باريس أرقاماً مختلفة تماماً، ومنها ما جاء في تقرير برلماني رسمي يفيد بأن المساعدات الدفاعية الفرنسية بلغت 3.2 مليار، وهو رقم يزيد بستة أضعاف على أرقام المعهد الألماني.

ولأن الوضع هو ما عليه، فإن باريس تريد أن تُظهر، وبقوة، أنها في مقدمة الدول الداعمة لأوكراينا، فيما الرأي الغربي، ومنه الأميركي، يبدو «متعباً» من الحرب الأوكرانية ومن تقديم المليارات لكييف من غير أن يرى في الأفق علامات تُنذر بنهايتها خصوصاً بعد فشل الهجوم المعاكس الأوكراني الصيف الماضي.

من هذه الزاوية يمكن فهم تركيز باريس على الاجتماع الذي استضافته في إطار تحالف دفاعي متخصص في توفير المدفعية الحديثة والقادرة والذخائر اللازمة لها لأوكرانيا، وقد أطلق عليه اسم «تحالف المدفعية»، وتديره فرنسا والولايات المتحدة ويضم 23 دولة.

ويعد التحالف الجديد فرعاً من «مجموعة الاتصال للدفاع عن أوكرانيا» أو «مجموعة رامشتاين»، وهو مقر قيادة القوات الأميركية المرابطة في ألمانيا. وتشمل «مجموعة الاتصال» خمسين دولة وتتفرع عنها عدة «تحالفات» أبرزها «التحالف المتخصص في السلاح البحري» بإدارة بريطانيا والنرويج، و«تحالف تكنولوجيا المعلومات» بإدارة إستونيا ودوقية لوكسمبورغ، و«تحالف القوى الجوية» بإدرة مشتركة أميركية – هولندية… ومؤخراً، نجحت باريس في أن تشارك ألمانيا في إدارة «تحالف الدفاع الجوي والصاروخي». وحسب مسؤول فرنسي، فإن باريس أرادت إثبات وجودها في القطاعات العسكرية «الحساسة».

كانت باريس تُعوّل على مشاركة وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف، في اجتماع الخميس، إلا أنه اعتذر عن عدم المجيء لـ«أسباب أمنية»، وانضم، من بُعد، إلى المجتمعين. ويراد للتحالف الجديد أن يوفر لأوكرانيا قدرة مدفعية لمواجهة قوة النار الروسية المتفوقة على غريمها الأوكراني. وفي كلمته عبر تقنية الفيديو، قال الوزير الأوكراني إن «الصناعة الدفاعية الروسية تتيح للقوات الروسية أن تطلق عشرات آلاف القذائف (يومياً) على المواقع الأوكرانية». فيما قال لوكورنو إن التحالف الجديد «يهدف إلى توحيد الجهود من أجل مساعدة أوكرانيا على المديين القريب والبعيد وتمكينها من حيازة قدرات مدفعية تتلاءم مع حاجات الهجوم المضاد ومع حاجات جيش المستقبل».

وتُبيّن ملاحظة الوضع الميداني أنه «لا بديل عن المدفعية الحديثة». وأضاف عمروف أن «نقص الذخائر يعدّ المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجهها قواتنا حالياً، وعلينا إيجاد السبل للتغلب عليها، وما يشجعنا هو بسالة جنودنا والتزام شركائنا في الاستمرار بدعم معركتنا»، معتبراً أن اجتماع الخميس «دليل على وحدتنا، وتعزيز قدراتنا في قطاع المدفعية سيزيد من أمننا المشترك، وسيوفر لنا إمكانية تحقيق تقدم دائم في أرض المعركة، مما سيقرّبنا من لحظة النصر».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مستشار المخاطر الدولية ستيفان أودراند، أن «التحدي الكبير الذي يواجه أوكرانيا هو استكمال انتقالها من المعدات السوفياتية إلى المعدات الغربية» وفق معايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ إن المدافع من الحقبة السوفياتية تعمل بقذائف من عيار 122 ملم، بينما تستخدم المدافع الغربية قذائف 155 ملم. بيد أن مشكلة الصناعات العسكرية الأوروبية أنها عجزت حتى اليوم عن الاستجابة للحاجات الأوكرانية، والدليل على ذلك أنها وعدت أوكرانيا العام الماضي بتزويدها بمليون قذيفة مدفعية حتى ربيع 2024، في حين أن جُلّ ما حصلت عليه كييف يَقلّ عن الثلث الموعود.

إزاء هذا الوضع، تريد فرنسا أن تُبرز استعداداتها الجدية لقلب الصورة. من هنا الوعود، خصوصاً لجهة تزويد القوات البرية الأوكرانية بمدافع «سيزار» التي أثبتت فاعليتها على أرض المعركة، وهي أحدث ما أنتجته شركة «نكستر» الفرنسية – الألمانية، وتملك كييف منها 49 قطعة. وقال لوكورنو إن باريس قادرة على إنتاج 78 مدفعاً جديداً في العام، وإنها ستقدّم منها 12 وحدة إضافية.

وحث الوزير الفرنسي أعضاء «تحالف المدفعية» على المساهمة في شراء الـ60 مدفعاً المتبقية، فيما أوكرانيا اشترت مباشرةً 6 وحدات منها. وتطلق هذه المدافع قذائف من عيار 155 ملم ولمسافة تصل إلى 40 كلم. وما تتميز به هو حركتها، إذ إن بعضها مزوَّد بعجلات وبعضها الآخر بسلاسل. وما أراد لوكورنو التشديد عليه هو أن تعبئة الاقتصاد خصوصاً صناعاته الدفاعية سمح بتزويد أوكرانيا بـ2000 قذيفة مدفعية شهرياً ما بين أبريل (نيسان) 2023 ويناير (كانون الثاني) 2024.

لم تقف وعود وإعلانات باريس عند هذا الحد، إذ أفاد لوكورنو بأن صواريخ «سكالب» التي وعد بها الرئيس ماكرون، سيبدأ تسليمها «قريباً». ويبلغ إجمالي هذه الصواريخ 40 صاروخاً. كذلك أفاد بأن باريس «قررت صرف 50 مليون يورو»، من صندوق الدعم الفرنسي، لأوكرانيا «مما يتيح شراء اثني عشر مدفعاً من طراز قيصر». كذلك وعدت باريس بتسليم أوكرانيا نحو 50 صاروخ أرض – جو شهرياً من طراز «آي2 إس إم» بدءاً من الشهر الجاري حتى نهاية العام.

كل هذه التفاصيل مهمة للغاية. إلا أن السؤال الجوهري يتناول مدى قدرتها على تغيير مجرى الحرب المجمَّدة منذ عدة أشهر. وفي أي حال، فإن ما أعلنت عنه فرنسا يعد تفصيلاً بالقياس لما تحصل عليه أوكرانيا من أسلحة أميركية – ألمانية – بريطانية. كذلك تجدر الإشارة إلى أن باريس ما زالت بعيدة عن تزويد أوكرانيا بالطائرات المقاتلة التي تطلبها والتي من شأنها، ربما، تعديل مسار الحرب وتمكين أوكرانيا من السيطرة على أجوائها.

إغلاق