اختار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن يبدأ جولته الأوروبية الجديدة ما بين 1 و5 أبريل (نيسان) من باريس، حيث سيلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره ستيفان سيجورنيه.
وأفادت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، خلال المؤتمر الصحافي للناطق باسمها ماثيو ميلر، أو عبر بيان نشره على موقع الوزارة الإلكتروني بأن الطرفين سيقومان بـ«مناقشة القضايا العالمية بما في ذلك دعم أوكرانيا والجهود المبذولة لمنع تصعيد الصراع في غزة، وتحقيق الاستقرار في هايتي، وعدد من القضايا المهمة الأخرى».
وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الوزيرين سيجورنيه وبلينكن سيتناولان الأزمات العالمية التي تشمل إلى ما سبق ذكره، الحرب الأهلية في السودان والتحضير للمؤتمر الدولي الخاص بهذا البلد الذي ستستضيفه باريس يوم 15 أبريل الحالي، فضلاً عن التحضير للقمة الأطلسية التي ستلتئم لاحقاً في واشنطن. كذلك سيعقد بلينكن الذي يعرف فرنسا جيداً، حيث أتم فيها دراسته الثانوية، مديرة عام اليونسكو أودري أزولاي «للتأكيد على دعم الولايات المتحدة لمهمة اليونسكو الأساسية، بما في ذلك الحفاظ على الثقافة والتعليم»؛ وفق ما جاء في بيان الخارجية الأميركية.
وترى مصادر فرنسية أن اختيار باريس «يعود للدور الذي أخذت تلعبه فرنسا في الحربين الجاريتين حالياً في أوكرانيا وغزة».
ففي أوكرانيا، نجح الرئيس ماكرون في أن يتحول، بعد انعطافة حادة حصلت الصيف الماضي، إلى «زعيم» المعسكر الداعي لدعم أوكرانيا بالوسائل المالية والعسكرية كافة، بل إنه لم يعد يستبعد إرسال قوات فرنسية وأوروبية إلى أوكرانيا، الأمر الذي يثير جدلاً واسعاً داخل فرنسا وخارجها. وبالنظر للضبابية التي تغلف السياسة الأميركية، وللغموض الذي يظلل مصير الانتخابات الرئاسية الأميركية، واحتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فإن باريس تدعو بقوة إلى الدفع باتجاه تشكيل «الدفاع الأوروبي»، بل إلى «الاستقلالية الاستراتيجية» التي تواجه رفضاً من الكثير من الدول الأوروبية الرافضة للتخلي عن المظلة الأطلسية، والقوة النووية الأميركية.
وفيما يخص أوكرانيا، كان لافتاً المعلومات التي كشف عنها وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو الأحد في حديث لصحيفة «لا تريبون»، ومنها أن باريس ستزود القوات الأوكرانية بمئات العربات المدرعة، وبصواريخ أرض – جو من طراز «أستير 30»، وهي شبيهة بمنظومة الصواريخ الأميركية «باتريوت». وتعمل باريس على تطوير وإنتاج ذخائر بعيدة المدى يتم التحكم بها عن بعد لتقديمها لاحقا لكييف.
وكما في أوكرانيا، تسعى باريس ليكون لها دور في حرب غزة، حيث تخلت عن الدعم غير المشروط لإسرائيل، حيث إنها تسعى راهناً لموقف وسطي، وتعمل على تنسيق المواقف مع القاهرة وعمان. ويوم السبت عقد وزراء الخارجية الثلاثة اجتماعاً تنسيقياً في العاصمة المصرية لهذا الغرض. وتدفع باريس باتجاه وقف فوري لإطلاق النار، والعمل على تصور لـ«اليوم التالي» لانتهاء الحرب. وكان لافتاً ما قاله سيجورنيه في المؤتمر الصحافي المشترك في القاهرة، إذ أعلن أن بلاده «تتشاور مع الدول الأعضاء بمجلس الأمن لتقديم مشروع قرار للمجلس يشمل كل معايير حل الدولتين»، مضيفاً أن «المشاورات في هذا الصدد لم تكتمل بعد». وسيكون للوضع في الجنوب اللبناني ولحرب المناوشات بين إسرائيل و«حزب الله» حصة كبرى في محادثات بلينكن في باريس؛ نظراً للمساعي الفرنسية للجم التصعيد. وتجدر الإشارة إلى أن سيجورنيه قدم خطة فرنسية من ثلاث مراحل لاحتواء تمدد الحرب، والذهاب نحو تنفيذ القرار الدولي رقم 1701. وبعكس المعلومات المتداولة في بيروت، فإن باريس تؤكد أنها «تعمل بتنسيق تام مع واشنطن» بهذا الشأن. وبخصوص غزة، من المرتقب أن يعرض بلينكن تفاصيل المشاورات الحاصلة مع السلطات الإسرائيلية بشأن خطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح غزة، والجهود الأميركية لثنيه عن ذلك.
وفي هذا السياق، وبالنظر للرفض الأميركي المعلن لاجتياح رفح، تسعى واشنطن لإقناع إسرائيل باعتماد «طرق بديلة» غير الاجتياح البري، وهو ما أكد عليه بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. وأكد بلينكن لغالانت خلال الاجتماع الذي ضمهما يوم الاثنين الماضي أن البدائل موجودة لاجتياح رفح براً، ومن شأنها أن تضمن أمن إسرائيل وحماية المدنيين الفلسطينيين بشكل أفضل، وفق ما صدر عن الخارجية الأميركية عقب الاجتماع. لكن لا يبدو، حتى اليوم، أن الضغوط الأميركية على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد فعلت فعلها، وما زال الأخير (كما غالانت) مصراً على الاجتياح من أجل «القضاء على (حماس) وتحرير الرهائن» كما يزعم.
وتشكل بروكسل المحطة الثانية للوزير الأميركي، حيث ينتظره استحقاقان رئيسيان: الأول، اجتماع وزراء خارجية الحلف بحضور الوزير الأوكراني دميترو كوليبا. ويتزامن الاجتماع مع الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس «الناتو» في 4 أبريل. ومجدداً ستسيطر الحرب الأوكرانية على أعمال الاجتماع، كما ينتظر أن يعمد بلينكن إلى طمأنة نظرائه بالنسبة لمستقبل الحلف. وقالت الخارجية الأميركية إن بلينكن سيلتقي أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ. ويتمثل الاستحقاق الثاني في الخامس من الشهر الحالي، باجتماع ثلاثي أوروبي – أميركي – أرميني بمشاركة رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجانب الأرميني، وتلبية حاجات الطرف الأخير الإنسانية.