أخبارأوروبا

تساؤلات فرنسية حول مصير الحفل الافتتاحي للألعاب الأولمبية وسط تهديدات إرهابية

مع كل يوم يمر ويقرب فرنسا من استحقاق انطلاق الألعاب الأولمبية التي تستضيفها الصيف المقبل تتضاعف المخاوف الأمنية من تعرضها لعملية إرهابية. وما حصل في ضاحية موسكو قبل أسبوع، يدفع السلطات الأمنية الفرنسية إلى مزيد من الحذر ودراسة كافة السيناريوهات التي من شأنها أن تعكر صفو الألعاب الأولمبية.

 

منظر لنافورة أبولو شاريوت بعد التجديد في حديقة شاتو دو فرساي بالقرب من باريس في فرنسا 29 مارس 2024 (رويترز)

 

والقلق الأكبر الذي ينتاب السلطات السياسية والأمنية على السواء عنوانه الحفل الافتتاحي الذي سيحصل في نهر السين الذي يقسم باريس إلى قسمين، وسيمتد إلى 6 كيلومترات، ويشارك فيه عدة آلاف من الرياضيين من العالم أجمع على متن 100 مركب.

وإضافة إلى الحضور الرسمي الوطني والدولي عالي المستوى، فإن الحضور الشعبي سيكون كاسحاً. وبحسب الأرقام التي قدّمها وزير الداخلية جيرالد دارمانان للجنة القوانين في مجلس الشيوخ، في 5 مارس (آذار)، فإن الحضور الذين سيواكبون الاحتفال الافتتاحي، والذين دفعوا ثمن بطاقاتهم ليحظوا بمقاعد يبلغ عددهم 104 آلاف شخص، فيما الجمهور الأوسع سيكون ما لا يقل عن 600 ألف مشاهد.

 

المسبح الأولمبي الذي شيد خصيصاً في باريس لاستقبال مباريات السباحة (أ.ف.ب)

 

توفير أمن الحفل الافتتاحي

ومن أجل توفير الأمن في ليلة الافتتاح التي ستحلّ في 26 يوليو (تموز)، والتي ستمتد من الساعة السابعة حتى منتصف الليل، فإن باريس ستنشر 45 ألف رجل أمن و15 ألف عسكري، إضافة إلى 20 ألفاً من الأمن الخاص.

ومن المقرر، كتدبير احترازي، إغلاق المجال الجوي فوق العاصمة لمسافة 150 كيلومتراً بوجه أي طائرة أو مسيرة من أي نوع كان، باستثناء تلك التابعة للدولة. وفي هذا الخصوص، علم أن 4 طوافات ستعبأ للرقابة الجوية فوق موقع الحدث، اثنتان منها سيكون على متنها قناصون لحماية الوفود الرسمية والرياضيين بالدرجة الأولى، إضافة إلى المسيرات التي ستوفر منظومة رؤية متكاملة وآنية لما يحصل على الأرض. أما في مياه نهر السين، فإن 10 زوارق تابعة للأمن سيتم نشرها للتعامل مع أي طارئ.

وبالتوازي، بشأن عمليات التدخل السريع، فإن وزارة الداخلية بصدد التحضير لتشكيل مجموعة من 650 شخصاً من الفرق الأمنية المتخصصة، التي ستكون، بطبيعة الحال، منتشرة على مقربة من فعاليات الحدث. ولأن منظمي الألعاب بحاجة إلى آلاف المتطوعين، فإن المكتب الوطني للتحقيقات الإدارية والأمنية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، قام بالنظر فيما يزيد على 100 ألف ملف، والهدف الموضوع وفق وزارة الداخلية هو النظر في ما لا يقل عن مليون ملف للتأكد من سلامة الطلبات المقدمة.

 

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي الخميس في برازيليا وظهر حرصه على الحفل الافتتاحي للألعاب (أ.ف.ب)

 

من الواضح بالنسبة لباريس أن الحدث استثنائي، ولذلك فإن إجراءات استثنائية، ويجري العمل بها، ومنها طلب المساعدة الأمنية من 35 دولة عبر العالم.

ونقلت «رويترز»، الجمعة، أن فرنسا طلبت المساهمة من 45 دولة لتزويدها بعدة آلاف من رجال الشرطة والعسكريين والمدنيين، بالتركيز تحديداً على الخبراء في المهمات الخاصة، مثل خبراء تزوير الوثائق، وإزالة الألغام، ومتخصصين في مكافحة الطائرات من دون طيار، وفرق الكلاب البوليسية والخيالة. وحتى اليوم، أبدت ألمانيا وبولندا استعدادهما لتقديم المساعدة. ونقلت «رويترز» عن مسؤولين قولهم إن الولايات المتحدة وإسرائيل سترسل «قدراتهما الأمنية الخاصة» إلى باريس.

 

«ستاديوم نيس» ستجرى فيه مجموعة من مباريات كرة القدم في إطار الألعاب الأولمبية (أ.ف.ب)

 

تداعيات هجوم موسكو

ثمة قناعة اليوم لدى المسؤولين الفرنسيين أن الوضع الجيو ـ سياسي في العالم مع حربين مندلعتين (أوكرانيا وغزة) يفاقم مصادر القلق والأخطار، وأن ما حصل في ضاحية موسكو يطأ بثقله مباشرة على تنظيم الحدث الرياضي ومضاعفة الاحتياطات. من هنا، فإن الدور الذي تلعبه أجهزة المخابرات الفرنسية، الداخلية والخارجية، يصبح جوهرياً لاكتشاف ما يجري التخطيط له ومراقبة الجماعات التي تشكل مصدراً للخطر. وفي هذا السياق، فإن جهاز المخابرات الداخلية الذي تشرف عليه سيلين بيرتون دعا وزير الداخلية، الخميس، لاجتماع لإطلاعه على تقييمه للمخاطر الأمنية المحيطة بتنظيم الألعاب الأولمبية، وخصوصاً حفلتها الافتتاحية. وبحسب المعلومات المتناقلة، ومنها ما جاءت به إذاعة «أوروبا رقم واحد»، فإن الخوف الأكبر هو من حصول «عمل إرهابي جمعي» على غرار ما حصل في موسكو أو كالذي ضرب قاعة «باتاكلان» للحفلات في باريس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015 وأوقع 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وتضيف هذه المعلومات أن المخابرات الداخلية ترى أن صيغة الحفل الافتتاحي تحمل كثيراً من «المخاطر» لصعوبة توفير الحماية الكافية لها. ومن هنا الدعوة التي أبلغت إلى وزير الداخلية إزاء ضرورة «تغيير صيغتها» أو الانتقال إلى «الخطة باء» التي لم تعرف تفاصيلها.

بالمقابل، ليست ثمة تأكيدات تفيد أن المخابرات الداخلية دعت إلى إلغاء الحفل المذكور. وبأي حال، فإن قراراً من هذا النوع يعود للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وليس لأي طرف آخر.

التخوف الأكبر

 

جنود بولنديون في عرض عسكري بالعاصمة وارسو حيث تساهم بولندا بمجموعة من جنودها في حفظ أمن الألعاب الأولمبية بفرنسا (أ.ف.ب)

 

يبدو اليوم أن تخوف الجهاز الفرنسي الأكبر عنوانه مواطنو بلدان آسيا الوسطى (تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان)، وتضاف إليها أفغانستان. وبحسب الجهاز المذكور، فإن «حركة ما» مشبوهة تجري في هذه الأوساط. وتجدر الإشارة إلى أن مواطنين من طاجكستان هم من ارتكب المجزرة التي حصلت في صالة الحفلات في ضاحية موسكو. بيد أن المخاوف الفرنسية ليس قوامها قدوم مجموعة إرهابية من الخارج لارتكاب عمل إرهابي واسع، كما حصل في الماضي، بل «تشغيل» أفراد موجودين على الأراضي الفرنسية ويمكن تحريكهم من الخارج. ولذا، فإن القرارات التي اتخذت في اجتماع الخميس تنص على التركيز المخابراتي على المتشددين والراديكاليين من هذه المجموعات المسؤولة على الأقل عن عمليتين إرهابيتين في فرنسا، إحداها قتل المدرس صامويل باتي، وقطع رأسه على يد شاب أفغاني الأصل يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020. كذلك، فإن الأجهزة الأمنية تتخوف من أعمال يقوم بها من يسمون بـ«الذئاب المتطرفة».

وفي الأيام الأخيرة، كشف مسؤولون فرنسيون، منهم رئيس الحكومة غبريال أتال، ووزير الداخلية، عن تعطيل مخططين إرهابيين كانا يستهدفان فرنسا في هذا العام، و47 محاولة إرهابية منذ عام 2017. ونسبت مصادر أمنية كثيراً من المحاولات الإرهابية التي تم إبطالها في الأشهر الأخيرة إلى هذه المجموعات، حيث يحول «تنظيم الخلافة الإسلامية ــ ولاية خراسان» التخوف من عملية إرهابية واسعة، بحسب القراءة الفرنسية، إلى مصدر التهديد الأول للألعاب المرتقبة.

لا شك أن مناسبة التجمع الدولي الكبير الذي ستستضيفه باريس ما بين 26 يوليو (تموز) و11 سبتمبر (أيلول) توفر فرصة استثنائية لأي مجموعة إرهابية لتثبت للعالم وجودها، إذ إن أنظار العالم ستكون متجهة صوبها. ويقدر أن ما لا يقل عن مليار مشاهد سيستمرون أمام أجهزة التلفزة لمشاهدة الحفل الافتتاحي. لذا، فإن أمن الألعاب يعد تحدياً تاريخياً بالنسبة للحكومة الفرنسية. والمخاوف ليست «بشرية» المصدر فقط، بل ثمة من يحذر من اللجوء إلى المسيرات (درون) سهلة الاقتناء وسهلة الاستعمال. وهذا الجانب أشار إليه الخبير الأمني، ألان بوير، فيما دعا النائب السابق جوليان دراي إلى تقصير مدة الحفل الافتتاحي.

أول من أمس، أجرى معهد «سي إس آي» استطلاعاً للرأي لصالح القناة الإخبارية «سي نيوز» وإذاعة «أوروبا رقم واحد»، أفادت نتائجه أن 52 بالمائة من العينة المستطلعة ترى أن فرنسا «ليست جاهزة» لتنظيم الحدث الرياضي، مقابل 47 بالمائة يرون العكس. وبالنسبة للمخاطر الأمنية، فإن الفرنسيين يضعونها في مستوى 7 من أصل 10 من سلم المخاطر، ما يعني أن هناك قلقاً حقيقياً من حصول أعمال إرهابية. من هنا، فإن الحكومة تسعى في كل اتجاه لتوفير أقصى ما يمكن توفيره لضمان أمن مواطنيها وضيوفها. يبقى أن هذه الألعاب ستكلف الخزينة الفرنسية، وفق التوقعات المتوافرة، ما بين 3 و5 مليارات يورو، فيما تسعى الدولة لخفض نفقاتها العامة ومستوى العجز الذي تعاني منه.

إغلاق